"العربي الجديد"… صفحات مفتوحة
قبل أكثر من عشر سنوات، كان الاجتماع الأول لمناقشة إطلاق موقع إلكتروني وصحيفة ورقية تواكب التطوّرات في المنطقة العربية آنذاك، وتكون صوتاً للملايين التي خرجت إلى الشوارع في عدة عواصم عربية للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهي المطالب التي رفعها "العربي الجديد" شعاراً منذ يومه الأول.
بدأت التحدّيات مع الاجتماع الأول، الذي تصادف عقده مع أحداث الثالث من يوليو/ تموز 2013 في مصر، وبداية انتكاسة مسار الربيع العربي، وانطلاق ما سمّيت لاحقاً "الثورات المضادة"، التي تدرّجت من بلد إلى آخر، ولا تزال تداعياتها مستمرّة.
لم يكن القرار صعباً لتحديد الموقف من الوضع المستجد، لكن السؤال كان يتمثّل في كيفية التعاطي معه بموضوعيةٍ ومهنية. لم ندّعِ أننا محايدون، فقد كان الموقف واضحاً، لكن التركيز كان على تسليط الضوء على التحول الحاصل من دون الانجرار إلى الاستقطابات والاصطفافات التي كانت سائدة في ذلك الحين، ولا يزال جزء منها قائماً.
ومع انطلاق الموقع الإلكتروني لـ"العربي الجديد"، كان هذا الحرص حاضراً إخبارياً، فيما كانت صفحات الرأي مفتوحة، ولا تزال، لكل المواقف السياسية. لكن ذلك لم يرُق للمنظومات السياسية الجديدة التي حجبت "العربي الجديد" إلكترونياً، وضيّقت على توزيعها ورقياً، وهنا كان التحدّي الجديد في الموقع والصحيفة للتحايل على هذا الحجب، والوصول إلى الشريحة الأكبر من القرّاء العرب الذين لا يزالون يؤمنون بإمكان التغيير، وهو ما ندّعي أننا نجحنا فيه إلى حد كبير، ليصبح "العربي الجديد" واحداً من أهم المواقع العربية، رغم الحجب والتضييق.
تحدٍّ آخر لا يقلّ أهمية، كان التأكيد على الهوية العربية للموقع والصحيفة عبر جمع صحافيين عرب من مشارب ومدارس مختلفة، وصَهرهم في بوتقة إعلامية منسجمة. لم يكن الأمر سهلاً في البداية، خصوصاً أنه ترافق مع تجربةٍ غير مسبوقة عربياً، وهي العمل من ثلاثة مكاتب في ثلاث عواصم، لندن والدوحة وبيروت. وفي غياب التواصل البشري اليومي، كان من المفترض بذل جهدٍ مضاعفٍ لخلق بيئة عمل متجانسة، وهو ما نجح في وقت قياسي، ما حفّزنا على تحدٍّ أكبر، وهو توسيع قاعدة العمل من المكاتب الثلاثة إلى كل بقاع العالم، وبالفعل تحقّق ذلك، ربما للمرّة الأولى عربياً وعالمياً، إذ يضم "العربي الجديد" محرّرين يعملون بفترات يومية في أكثر من دولة أوروبية، وحتى في أميركا الشمالية.
التحدّي الأكبر، وربما الأهم، كان مع أنفسنا، نحن، في معظمنا القادمين من تجارب صحف ورقية، في كيفية تطوير عقلية مجاراة الصحافة الرقمية التي كانت في بداية صعودها، وفي الوقت نفسه، إخراج صحيفة ورقية تلبّي احتياجات العصر ورغبات القراء، فكانت المزاوجة بين دورين مختلفين للموقع والصحيفة، فكل منهما اختصّ في جانب إعلامي، يتقاطع في بعض الأحيان. كان العنصر الإخباري من مهمّة الموقع الإلكتروني، فيما تصدّت الصحيفة لمهمّة شرح الخبر وتحليله بعمق قبل نشره على الموقع، تاركة الحيز الخبري فيه ليأخذ مساحته.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد مع دخول عناصر جديدة على المشهد الإعلامي الرقمي الحديث، على غرار البودكاست الصوتي والمصوّر والبرامج المرئية، والتي باتت أساساً في أي تجربةٍ صحافيةٍ جديدة. كان علينا اقتحام هذا المجال، وتعلم تفاصيله، وهو ما بدأناه ولا نزال في طوْر تطويره، ليجاري، وربما يتخطّى، المنصات القائمة على هذا النوع من الإعلام.
تكمن أهمية "العربي الجديد" في مرونته وقدرته على التأقلم مع كل متطلبات العصر الصحافي الجديد، فصفحاته لا تزال مفتوحة على كل أنواع الإعلام، ليوصل الرسالة التي قام من أجلها.