الصين ـ أميركا: حرب البحار

27 مارس 2021
+ الخط -

تُقفل سفينة حاويات مجرى قناة السويس، فتقبع خلفها وأمامها عشرات السفن في انتظار معالجة الوضع لمواصلة المسير البحريّ. ترتفع أسعار النفط والعملات بسبب جنوح السفينة. يسود القلق أوساط البورصات والأسهم والشركات. تصبّ الدول جهودها لإزاحة السفينة، كي لا تتقطّع السبل التجارية والحركة المالية. إنها أولويات عالمية، فالاستعاضة المؤقتة بمعبر رأس الرجاء الصالح مكلف مالياً وزمنياً، تحديداً في حقبةٍ تحتاج فيها كل دولة إلى كل قرشٍ، بسبب تأثيرات وباء كورونا اقتصادياً.

يطرح السلوك الجماعي دولياً حيال أزمة سفينة "إيفرغيفن"، التابعة لشركة "إيفرغرين" التايوانية، فرضية إقفال بحر الصين الجنوبي مثلاً، وإن كانت صعبة من الناحية الطبيعية، نظراً إلى تعدّد المسارات البحرية، لكنها ممكنة سياسياً وعسكرياً، في حال استمرّ التشابك الصيني ـ الأميركي، المرشّح للتصاعد في الفترة المقبلة، على خلفية تشدّد إدارة جو بايدن إزاء الصين. وإذا كانت الحركة البحرية في قناة السويس قد أثرت على الاقتصاد العالمي بشدّة، فإن الأولوية، بعد معالجة المشكلة، ستتمحور حول بحر الصين الجنوبي، وحرية الملاحة والحركة فيه. لا نحتاج لأكثر من عود ثقاب صغير لإشعال الأزمة، مع تعدّد الخلافات في البحر ومحيطه، ومنها اتهام الفيليبين الصين بالاعتداء على حدودها البحرية. ولفهم أهمية هذا البحر، تكفي الإشارة إلى أن 20% من التجارة البحرية تمرّ عبره، ويرتبط عضوياً ببلدان تصنيع وتصدير، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام.

ستعود الأمور، في الغالب، إلى تلك البقعة الجغرافية في الشرق الآسيوي، أولوية أميركية في المرحلة المقبلة، وعنواناً رئيسياً للسياسة الخارجية لبايدن، بعد الانتهاء من ملف تلقيح الأميركيين ضد فيروس كورونا، وتعبيد الطريق أمام النموّ الاقتصادي في الولايات المتحدة. ويُمكن هنا إعادة رسم خريطة الأولويات الأميركية: الصين أولاً وثانياً وثالثاً، ثم باقي الملفات. وليس من الواضح ما إذا كان الشرق الأوسط أولوية فعلية أم مجرّد ملف ثانوي، تمّ تغيير وضعيته إلى "الانتظار" حتى إشعار آخر. تدرك الصين أن بايدن لن يألو جهداً لتركيز كامل ولايته عليها. وربما تأتي التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية، أخيراً، بمثابة رسالة صينية غير مباشرة، تُبدي فيها بكين استعدادها لرفع سقف التصعيد، في موازاة الحفاظ على لغة دبلوماسية، فحواها أن "الهدف الأساسي للصين هو رخاء الشعب الصيني، لا مواجهة الولايات المتحدة".

يُمكن هنا فهم التأخير الأميركي في الانسحاب من أفغانستان التي تقع في عمق طريق الحرير البرّي، وبالتالي استيعاب الخيار الاستراتيجي لإدارة بايدن في فتح كوّة مع إيران في الملف النووي. تسعى الإدارة الديمقراطية، عملياً، إلى تحييد إيران في المواجهة مع الصين، لكنها في المقابل عاجزة عن إتمام صفقات شرق أوسطية تُرضي حلفاءها. يفهم الروسي ذلك، ويدرك أن الفرصة موجودة الآن لفرض تسويةٍ في سورية، بشروطه التي لا تتعارض في عديد من أفكارها مع الأميركيين. وعلى عكس بايدن، لم يشغل الرئيس السابق دونالد ترامب باله في مواجهة الصين ميدانياً، بل سعى إلى فرض أقسى العقوبات المالية عليها. وفي اعتقاده أن ذلك كافٍ لمنعها من التغلغل في السوق الأميركي. ويُمكن تسجيل نجاح نسبي له، حين خرج باتفاق جزئي مع بكين، في يناير/ كانون الثاني 2020، أشبه بهزيمة للصينيين.

وعلى الرغم من أن "التصدّي للصين" أولوية أميركية بحتة، إلا أن حرص بايدن على صياغة ائتلاف يضمّه والأوروبيين، لجعله أولوية غربية، يدفع أكثر باتجاه صدام أشبه بصدامات الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، على الرغم من تبدّل عقائدها وأسسها، لكنها تُساهم في ترسيخ مبدأ "في العالم معسكران لا ثالث لهما". وفي كل يوم تبرز فيه تصريحات أميركية ـ صينية حادّة، يُمكن الحديث جدّياً عن احتمالات تعطّل مسار بحر الصين الجنوبي مستقبلاً، وانعكاسه على الاقتصاد العالمي، ليبدو جنوح "إيفرغيفن" مجرّد مزحةٍ أمام ضجيج واشنطن وبكين.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".