29 يوليو 2021
السوريون الكُرد وسياسة حافة الهاوية
لَم تَعُد مشاهد المدرعات الأميركية في شوارع القامشلي، وغيرها من مدن شمال شرق سورية، تعطي، ولو بصيص أمل للسوريين الكرد؛ فالتطمينات المطلوبة اليوم أكبر من ذلك بكثير. يوحي الاقتصار على الرسائل غير المباشرة هذه بأن وراء الأكمة ما وراءها، وسوى التصريح العلني، وسواه فقط، فلا معنى معتبراً لأي موقف أميركي. لَم يَعْتَد الكرد على وجود حليف، أو ظهير لهم في سِلمهم كما يتهافتون عليهم في الحروب، حين ينهال عليهم الدعم العسكري، والثناء على شجاعتهم في القتال، والإقرار بعدالة قضيتهم.
كانت الأعوام من 2014 إلى 2018 فترة ذهبية لكُرد سورية، إذ أقاموا إدارة ذاتية بصلاحيات شبه دولة، تقوم بأعمال إدارية وخدمية شبه تامة، وسياسية خجولة غير ذات جدوى.
لم تُقنع "قوات سورية الديمقراطية" أو عمادها الرئيسي "وحدات حماية الشعب" (الكردية الممزوجة بدماء عربية) المناوئين بأن مشروعهم وطني سوري، وليس انفصالياً كردياً، أو أن يرفع عن نفسه الصفة الكردية، والأوجلانية تحديداً، فقد بقيت فكرة ارتباطها بحزب العمال الكردستاني في تركيا الهاجس الأكبر لحلفائها قبل أعدائها.
قوى عسكرية وأمنية ومؤسسات رسمية، ومناهج دراسية خاصة، أشبه بدولة ضمن دولة، تنتظر مصيرها على طاولة الدول العظمى، وفي الغرف المظلمة.
أصبح كل لقاء بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أو وزير خارجيته، أو أي مسؤول
عسكري أو أمني تركي، مع نظرائهم من الدول العظمى، أشبه بكابوس لسكان المنطقة؛ فالخوف من صفقةٍ على حساب الكرد يكون في أوجه حينئذ.
لا تبدو الخيارات كثيرة، فالعلاقة مع واشنطن كانت عنوان المرحلة السابقة، والتي اتسمت بالتحالف العسكري الوثيق، الذي لم يقابله سياسياً ما يشفع دماء الآلاف من أبناء المنطقة، إذ لم تعترف إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، ولا الحالية، بالإدارة الذاتية المعلنة أوائل عام 2014، ولا بالفيدرالية الموؤودة لاحقاً.
لا يبدو التحالف مع واشنطن بشكله الحالي الأمثل لسكان المنطقة، فالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان قد دق ناقوس الخطر أوائل عام 2018، حين أعلن عن خطط لسحب جنوده من سورية. وما لم يتم التركيز عليه حينئذ حديث ترامب عن عدم النجاعة الاقتصادية للوجود الأميركي في المنطقة، أي أنها ( أميركا) تنظر إلى سورية بعيون اقتصادية وحسب، ولا مصلحة استراتيجية لها فيها.
يبدو هدف الولايات المتحدة في محاربة الهيمنة الإيرانية في المنطقة، ومنها سورية بالطبع، ليس من السهل على "سورية الديمقراطية"، أو أي فصيل كُردي القيام به، نظراً لعلاقة "الجمهورية الإسلامية" التاريخية مع تنظيمات كُردية عديدة، العسكرية منها والسياسية.
ويعني التعامل الأميركي التكتيكي مع المنطقة أنها عرضة للبيع في بازارات السياسة، وما أكثر من سوف يرضى بشراء الورقة، مثل روسيا التي تريد الحفاظ على سورية موحدة وحكومة موالية لها، وكذلك إيران والحكومة السورية اللتان تريدان تجنب أي مسّ بحدودهما الحالية.
الأكثر تحمساً لحصول انتهاءٍ من هذه "الورقة القضية" هي أنقرة، المستعدة للتضحية بالكثير في سبيل إجهاض أي مشروعٍ يكون لحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) كلمة الفصل فيه، وقد تدخلت بشكل مباشر مرتين في سورية، وكانت كلاهما لوأد المشروع الفيدرالي الكُردي في سورية، والوصول به إلى البحر. كانت أولاها أوائل عام 2016، وسيطرت به على جرابلس والباب وإعزاز، وأتبعتها بالسيطرة على عفرين أوائل عام 2018.
ربما ودّ الكُرد لو عادت العلاقة مع روسيا الاتحادية إلى أفضل حالاتها، فموسكو هي الأكثر تمسّكاً بوجودها في سورية، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يعقد الصفقات تلو الأخرى مع تركيا وإيران من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، ويقيم اتفاقاتٍ مع فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدول لتثبيت "انتصاره" في سورية.
وحدها منطقة شرق الفرات بقيت خارج الملعب الروسي. وعليه، أصبحت الضغوط كلها
منصبة عليها، وسيكون على كرد سورية عدم التجرؤ، ولو بالتفكير، في تكرار سيناريو الحرب، والمفاضلة بين سيناريو كوباني (عين العرب)، وعفرين؛ فمن المفترض أنهم توصلوا إلى قناعة بأن أي معركةٍ ضد دولة كتركيا لا تشبه ألبتة حربهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وبالتالي فنتيجة خيار أي صراع قادم محسومة.
ليست الجبهة الداخلية في الشمال السوري بذلك التي يمكن التعويل عليها؛ فالتنوع العرقي والديني، والسياسي حتى، لا يساهم، إلى الآن، في التماسك لمواجهة أي صراع قادم، سواء مع أنقرة أو دمشق، اللتين تحتفظان بأوراق سياسية ومجتمعية، واقتصادية، قد تستخدمانها في المرحلة المقبلة.
سيكون على الكُرد الاختيار بين مقاومةٍ نهايتها هزيمةٌ أشد مما كان عليه الحال في عفرين، وتسليم المنطقة للحكومة السورية، في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان العرض الروسي الذي سبق حرب عفرين، والذي اقترحت موسكو بموجبه دخول القوات السورية إلى المدينة وعودة المؤسسات الرسمية، تجنباً لأي سيناريو غير محسوب العواقب، والذي قوبل برفضٍ كُردي آنذاك، وندم لاحق. أما السيناريو الآخر المتمثل بحوار أو تفاوض مع الحكومة السورية، يفضي إلى حلٍّ توافقي على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، فيبدو أنه يضيق، ولم يعد متسع من الوقت لتنفيذه، وستكون الأيام المقبلة حبلى بما ينتظره أهالي المنطقة.
كانت الأعوام من 2014 إلى 2018 فترة ذهبية لكُرد سورية، إذ أقاموا إدارة ذاتية بصلاحيات شبه دولة، تقوم بأعمال إدارية وخدمية شبه تامة، وسياسية خجولة غير ذات جدوى.
لم تُقنع "قوات سورية الديمقراطية" أو عمادها الرئيسي "وحدات حماية الشعب" (الكردية الممزوجة بدماء عربية) المناوئين بأن مشروعهم وطني سوري، وليس انفصالياً كردياً، أو أن يرفع عن نفسه الصفة الكردية، والأوجلانية تحديداً، فقد بقيت فكرة ارتباطها بحزب العمال الكردستاني في تركيا الهاجس الأكبر لحلفائها قبل أعدائها.
قوى عسكرية وأمنية ومؤسسات رسمية، ومناهج دراسية خاصة، أشبه بدولة ضمن دولة، تنتظر مصيرها على طاولة الدول العظمى، وفي الغرف المظلمة.
أصبح كل لقاء بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أو وزير خارجيته، أو أي مسؤول
لا تبدو الخيارات كثيرة، فالعلاقة مع واشنطن كانت عنوان المرحلة السابقة، والتي اتسمت بالتحالف العسكري الوثيق، الذي لم يقابله سياسياً ما يشفع دماء الآلاف من أبناء المنطقة، إذ لم تعترف إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، ولا الحالية، بالإدارة الذاتية المعلنة أوائل عام 2014، ولا بالفيدرالية الموؤودة لاحقاً.
لا يبدو التحالف مع واشنطن بشكله الحالي الأمثل لسكان المنطقة، فالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان قد دق ناقوس الخطر أوائل عام 2018، حين أعلن عن خطط لسحب جنوده من سورية. وما لم يتم التركيز عليه حينئذ حديث ترامب عن عدم النجاعة الاقتصادية للوجود الأميركي في المنطقة، أي أنها ( أميركا) تنظر إلى سورية بعيون اقتصادية وحسب، ولا مصلحة استراتيجية لها فيها.
يبدو هدف الولايات المتحدة في محاربة الهيمنة الإيرانية في المنطقة، ومنها سورية بالطبع، ليس من السهل على "سورية الديمقراطية"، أو أي فصيل كُردي القيام به، نظراً لعلاقة "الجمهورية الإسلامية" التاريخية مع تنظيمات كُردية عديدة، العسكرية منها والسياسية.
ويعني التعامل الأميركي التكتيكي مع المنطقة أنها عرضة للبيع في بازارات السياسة، وما أكثر من سوف يرضى بشراء الورقة، مثل روسيا التي تريد الحفاظ على سورية موحدة وحكومة موالية لها، وكذلك إيران والحكومة السورية اللتان تريدان تجنب أي مسّ بحدودهما الحالية.
الأكثر تحمساً لحصول انتهاءٍ من هذه "الورقة القضية" هي أنقرة، المستعدة للتضحية بالكثير في سبيل إجهاض أي مشروعٍ يكون لحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) كلمة الفصل فيه، وقد تدخلت بشكل مباشر مرتين في سورية، وكانت كلاهما لوأد المشروع الفيدرالي الكُردي في سورية، والوصول به إلى البحر. كانت أولاها أوائل عام 2016، وسيطرت به على جرابلس والباب وإعزاز، وأتبعتها بالسيطرة على عفرين أوائل عام 2018.
ربما ودّ الكُرد لو عادت العلاقة مع روسيا الاتحادية إلى أفضل حالاتها، فموسكو هي الأكثر تمسّكاً بوجودها في سورية، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يعقد الصفقات تلو الأخرى مع تركيا وإيران من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، ويقيم اتفاقاتٍ مع فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدول لتثبيت "انتصاره" في سورية.
وحدها منطقة شرق الفرات بقيت خارج الملعب الروسي. وعليه، أصبحت الضغوط كلها
ليست الجبهة الداخلية في الشمال السوري بذلك التي يمكن التعويل عليها؛ فالتنوع العرقي والديني، والسياسي حتى، لا يساهم، إلى الآن، في التماسك لمواجهة أي صراع قادم، سواء مع أنقرة أو دمشق، اللتين تحتفظان بأوراق سياسية ومجتمعية، واقتصادية، قد تستخدمانها في المرحلة المقبلة.
سيكون على الكُرد الاختيار بين مقاومةٍ نهايتها هزيمةٌ أشد مما كان عليه الحال في عفرين، وتسليم المنطقة للحكومة السورية، في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان العرض الروسي الذي سبق حرب عفرين، والذي اقترحت موسكو بموجبه دخول القوات السورية إلى المدينة وعودة المؤسسات الرسمية، تجنباً لأي سيناريو غير محسوب العواقب، والذي قوبل برفضٍ كُردي آنذاك، وندم لاحق. أما السيناريو الآخر المتمثل بحوار أو تفاوض مع الحكومة السورية، يفضي إلى حلٍّ توافقي على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، فيبدو أنه يضيق، ولم يعد متسع من الوقت لتنفيذه، وستكون الأيام المقبلة حبلى بما ينتظره أهالي المنطقة.
مقالات أخرى
11 ديسمبر 2020
02 نوفمبر 2020
20 يونيو 2020