15 نوفمبر 2024
السترات الصفراء في إعلام السرايا الصفراء
كنت أظن أنه لا توجد علاقة تربط اللون الأصفر بالجنون، في مصر، سوى أنهم يطلقون على مستشفى الأمراض العقلية اسم السرايا الصفراء، منذ أن تبرع الخديوي عباس بقصره ذي اللون الأصفر ليكون أول دار للصحة النفسية.
غير أن الواقع بات يشير إلى أن اللون الأصفر بات يثير حالةً من الهلع، تتطور إلى هلاوس، داخل النظام السياسي، سرعان ما تتطوّر بدورها إلى حالة سعار تشتعل داخل المنظومة الإعلامية المعبرة عنه، تجعله يسلك وكأنه مجموعة صغيرة، تفترض في المتلقي أنه شعب من المجانين، سينصت إلى صيحات الجنون المندلعة من عشرات الأبواق الإعلامية في توقيت واحد.
والشاهد أن فوبيا اللون الأصفر تجتاح التشكيل الإجرامي الذي صعد إلى سدة الحكم في مصر في ذلك اليوم الحزين من صيف العام 2013، منذ ظهرت علامة الأصابع الأربعة باللون الأصفر، مسجلة أول صرخة احتجاج تعبيرية على مذبحة القرن التي نفذها الجنرال عبد الفتاح السيسي ضد رافضي انقلابه العسكري، والتي قتل خلالها نحو ألف شخص من المصريين، بحسب التقديرات الرسمية، والآلاف وفق الروايات الصادرة عن شهود عيان على ذلك التجمع البشري الهائل في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة.
أربعة أصابع باللون الأسود، على أرضية صفراء، تلك كانت الوسيلة الوحيدة المتاحة للتعبير عن الاحتجاج على قتل الإنسان واغتيال الإنسانية، فقرّرت السلطة الانقلابية تجريم الشعار ورافعيه، وتصنيفهم كيانات إرهابية، فاستجاب لها عدد من رعاة الأبقار والسفاحين.
الآن تندلع لوثة اللون الأصفر، على نحو أكثر احتدامًا في الإعلام المعبر عن قتلة ثورات الشعوب العربية، لمناسبة انتفاضة السترات الصفراء في فرنسا، وانعكاساتها على العالم، إذ تعود مجددًا حالة الرعب والفزع داخل قصور الحكم وأوكار الإعلام المعبر عنها، في محاولةٍ لإقناع الجماهير بأن ما يجري في فرنسا مؤامرة صنعها ويديرها أهل الشر، بقيادة الإخوان المسلمين والصهيونية العالمية وبريطانيا العظمى، على غرار مؤامراتهم على مصر والبلاد العربية في 25 يناير/ كانون ثاني 2011.
وفي إطار التغطية الهستيرية للحدث، لا شيء في ترسانة المنابر الإعلامية المصابة بفوبيا الحشد الجماهيري، سوى السلاح الأثير، والوحيد لديها: الاستحمار، تستعمله وهي ترسل، وتفترضه في الجمهور وهو يتلقى، فيصل بها الحال إلى تزييف صيحة ثائرة فرنسية في وجه قمع قوات الشرطة، ونقلها للمتابع على أنها صرخة شرطية فرنسية في وجه المتظاهرين تناشدهم ألا يحرقوا فرنسا، كما حرق العرب أوطانهم!.
عرفت مصر، في العام 2015، موجات هائلة من عمليات الاستحمار الإعلامي، بتعمد اختراع حكاياتٍ عن لحوم الحمير التي يتناولها المصريون بكثافة، على أيدي جزارين وتجار يبيعونها على أنها لحوم عادية تصلح للبشر، لتصبح المسألة حديث الصباح والمساء، في إطار عملية مقصودة لتدمير منطق التلقي عند المواطن، فيصير كل شيء قابل للتصديق، وفي ذلك الوقت تساءلت: إذا كنت قد سكت عن الاستحمار السياسي والاقتصادي والمجتمعي والإعلامي، فكيف تصرخ من "استحمار غذائي" وتحتج؟
والحاصل أن معدلات الاستحمار الإعلامي تتناسب طرديًا مع درجات الفزع السياسي في أروقة الحكم، إذ تعيد أحداث فرنسا الاعتبار لقوة الجماهير، تلك التي تصوّر الجنرال عبد الفتاح السيسي أنه قضي عليها بشكل نهائي، عقب سلسلة المذابح التي نفذها قبل خمس سنوات، فإذا بالسترات الصفراء تذكّر بالحشود الهائلة في ميادين التحرير ورابعة العدوية والأربعين (في السويس) والقائد إبراهيم في الاسكندرية، وتوقظ حنينًا لتلك الأيام التي تسلق فيها الشعب المصري صخرة الحلم بالكرامة والعدل والحرية.
غير أن الواقع بات يشير إلى أن اللون الأصفر بات يثير حالةً من الهلع، تتطور إلى هلاوس، داخل النظام السياسي، سرعان ما تتطوّر بدورها إلى حالة سعار تشتعل داخل المنظومة الإعلامية المعبرة عنه، تجعله يسلك وكأنه مجموعة صغيرة، تفترض في المتلقي أنه شعب من المجانين، سينصت إلى صيحات الجنون المندلعة من عشرات الأبواق الإعلامية في توقيت واحد.
والشاهد أن فوبيا اللون الأصفر تجتاح التشكيل الإجرامي الذي صعد إلى سدة الحكم في مصر في ذلك اليوم الحزين من صيف العام 2013، منذ ظهرت علامة الأصابع الأربعة باللون الأصفر، مسجلة أول صرخة احتجاج تعبيرية على مذبحة القرن التي نفذها الجنرال عبد الفتاح السيسي ضد رافضي انقلابه العسكري، والتي قتل خلالها نحو ألف شخص من المصريين، بحسب التقديرات الرسمية، والآلاف وفق الروايات الصادرة عن شهود عيان على ذلك التجمع البشري الهائل في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة.
أربعة أصابع باللون الأسود، على أرضية صفراء، تلك كانت الوسيلة الوحيدة المتاحة للتعبير عن الاحتجاج على قتل الإنسان واغتيال الإنسانية، فقرّرت السلطة الانقلابية تجريم الشعار ورافعيه، وتصنيفهم كيانات إرهابية، فاستجاب لها عدد من رعاة الأبقار والسفاحين.
الآن تندلع لوثة اللون الأصفر، على نحو أكثر احتدامًا في الإعلام المعبر عن قتلة ثورات الشعوب العربية، لمناسبة انتفاضة السترات الصفراء في فرنسا، وانعكاساتها على العالم، إذ تعود مجددًا حالة الرعب والفزع داخل قصور الحكم وأوكار الإعلام المعبر عنها، في محاولةٍ لإقناع الجماهير بأن ما يجري في فرنسا مؤامرة صنعها ويديرها أهل الشر، بقيادة الإخوان المسلمين والصهيونية العالمية وبريطانيا العظمى، على غرار مؤامراتهم على مصر والبلاد العربية في 25 يناير/ كانون ثاني 2011.
وفي إطار التغطية الهستيرية للحدث، لا شيء في ترسانة المنابر الإعلامية المصابة بفوبيا الحشد الجماهيري، سوى السلاح الأثير، والوحيد لديها: الاستحمار، تستعمله وهي ترسل، وتفترضه في الجمهور وهو يتلقى، فيصل بها الحال إلى تزييف صيحة ثائرة فرنسية في وجه قمع قوات الشرطة، ونقلها للمتابع على أنها صرخة شرطية فرنسية في وجه المتظاهرين تناشدهم ألا يحرقوا فرنسا، كما حرق العرب أوطانهم!.
عرفت مصر، في العام 2015، موجات هائلة من عمليات الاستحمار الإعلامي، بتعمد اختراع حكاياتٍ عن لحوم الحمير التي يتناولها المصريون بكثافة، على أيدي جزارين وتجار يبيعونها على أنها لحوم عادية تصلح للبشر، لتصبح المسألة حديث الصباح والمساء، في إطار عملية مقصودة لتدمير منطق التلقي عند المواطن، فيصير كل شيء قابل للتصديق، وفي ذلك الوقت تساءلت: إذا كنت قد سكت عن الاستحمار السياسي والاقتصادي والمجتمعي والإعلامي، فكيف تصرخ من "استحمار غذائي" وتحتج؟
والحاصل أن معدلات الاستحمار الإعلامي تتناسب طرديًا مع درجات الفزع السياسي في أروقة الحكم، إذ تعيد أحداث فرنسا الاعتبار لقوة الجماهير، تلك التي تصوّر الجنرال عبد الفتاح السيسي أنه قضي عليها بشكل نهائي، عقب سلسلة المذابح التي نفذها قبل خمس سنوات، فإذا بالسترات الصفراء تذكّر بالحشود الهائلة في ميادين التحرير ورابعة العدوية والأربعين (في السويس) والقائد إبراهيم في الاسكندرية، وتوقظ حنينًا لتلك الأيام التي تسلق فيها الشعب المصري صخرة الحلم بالكرامة والعدل والحرية.