الزلزالُ وأسئلة ''المغرب غير النافع''
فيما لا يزال المنكوبون الناجون من الزلزال المدمّر، الذي ضرب إقليم الحوز في المغرب، يضمّدون جراحهم، تطفو مجدّدا الأسئلةُ الاجتماعية والسياسية التي ما فتئ يُثيرُها ''المغرب غير النافع'' الموروث عن الاستعمار الفرنسي. أبرزها وأكثرها إلحاحا سؤال التنمية في مئات والقرى والمداشر المعزولة والمنسية، التي لا يكاد لا يصل إليها شيء من عوائد تنميةٍ يُراد لها أن تبقى معطوبةً، باقتصارها على المشاريع الاقتصادية الكبرى التي لا تُنتج عائداتها بشكل يستفيد منه الجميع، من دون تمييزٍ بين من يقيم في المدن والحواضر الكبرى ومن يقيم في القرى والأرياف.
كشفت فاجعة الحوز الوضع الاقتصادي والاجتماعي المزري الذي تعيشه منطقة الأطلس الكبير، ومعها مناطق أخرى باتت تُشكِّل مغربا آخر لم يحضر يوما ضمن المشاريع والبرامج التنموية التي وضعتها الدولة منذ الاستقلال. فضحت الفاجعة الحكومة والنخب والأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني التابعة للسلطة، التي بدتْ عاجزةً عن التفاعل مع الأزمة والمساعدةِ على حصر تداعياتها المأساوية. وتبيَّن بالملموس أنه لا يمكن التعويل عليها في الأزمات والمحن الكبرى التي تصيب المجتمع. فضحت الفاجعة أيضا أكذوبة ''المقاربة التشاركية'' التي طالما خُصّصت لها ندواتٌ وحلقات نقاشٍ لتبيان دورها في تحقيق التنمية المزعومة. ذلك أن هذه المقاربة تفترض وجود فاعلين مشتبكين بالواقع المعيشي للناس. وهو ما تكذبه الوقائع على الأرض في الإقليم المنكوب؛ غياب صارخ لهؤلاء الفاعلين المنشغلين بخدمة مصالحهم الشخصية والحزبية.
في السياق ذاته، كشفت فاجعة الحوز حدودَ سياسة المشاريع الاقتصادية الكبرى في تحقيق تنميةٍ متوازنةٍ يستفيد منها المغاربة قاطبة من دون إقصاء أيٍّ من جهات المملكة. فإذا كانت مشاريعُ بحجم ميناء طنجة المتوسط، والقطارِ فائق السرعة، وشبكة الطرق السيّارة السريعة وغيرها على قدرٍ لا يُستهان به من الأهمية الاقتصادية، فافتقادُ مناطق واسعة، على امتدادَ التراب المغربي، معظم الخدمات الأساسية يجعل هذه المشاريع، بالضرورة، عنوانا لتنمية معطوبة. برز ذلك واضحا في الأيام الأولى التي أعقبت الزلزال. فقد واجهت فرق الإنقاذ والمساعدة صعوبات بالغة بسبب التضاريس الوعرة وهشاشة البنية التحتية في الإقليم وغيابِ طرق سالكة تُسعفها في الوصول إلى القرى والمداشر المتضررة. وعلى الرغم من ذلك، نجحت هذه الفرق، نسبيا، في الوصول إلى معظم القرى والمداشر المنكوبة وتقديم المساعدة للمتضرّرين، خصوصا مع قوافل المساعدات الشعبية التي توافدت على الإقليم قادمةً من مختلف مناطق البلاد. ولا مبالغة في القول إن هذه القوافل أحدثت توازنا لا يخلو من دلالة في إدارة الكارثة وتطويق تداعياتها على غير صعيد.
الجهود التي بذلتها عناصرُ الوقاية المدنية، التابعة لوزارة الداخلية، والقواتُ المسلحة الملكية والدركُ الملكي في إغاثة المنكوبين وانتشال جثث الضحايا من تحت الأنقاض تظل محمودةً، إلا أن واقع الحال يفرض ضرورة وضع برنامج عملي لمجابهة الكوارث الطبيعية وإدارة مخلفاتها المأساوية في المستقبل، سيما في الأرياف والمناطق النائية. صحيح أن هناك ''استراتيجية وطنية للحدّ من مخاطر الكوارث الطبيعية'' (2020-2030)، إلا أنها تبقى بحاجة للتفعيل وملاءمة مقتضياتها مع الخصائص الجغرافية لأقاليم المملكة وجهاتها، وفي مقدمتها تلك التي توجد في نطاقها الترابي قرى ومداشرُ فرضت عليها الطبيعة القاسية وغياب التنمية عزلة جغرافية وسياسية واجتماعية.
...، يُؤمل أن تكون فاجعة الحوز بداية التفكير في تفعيلٍ حقيقي لمنظومة الجهوية المتقدّمة، بما يسعف في تنمية منطقة الأطلس الكبير، وغيرها من المناطق التي لا تزال ضمن ''المغرب غير النافع''، ويفتح، تاليا، آفاقا نحو مغربٍ آخر، أكثر تنمية وعدالةً. آن الأوان لفكّ العزلة عن هذا ''المغرب غير النافع'' الغارق في الفقر والبؤس والتخلّف. ولا شك أن ذلك لا يتأتى فقط بوضع برامج وسياسات تنموية تلبّي الحدّ الأدنى من حاجيات المواطنين، بل أيضا بتفعيل ما ينصّ عليه الدستور بشأن ربط المسؤولية بالمحاسبة في تسيير الشأن العام.