الردّ الإسرائيلي على القمّة العربية
سريعًا جدًا، تفاعلت حكومة الاحتلال الإسرائيلي مع البيان الختامي (التاريخي طبعًا) للقمة العربية (التاريخية أيضًا) التي انعقدت في جدّة، بحضور القائد التاريخي لمحور الممانعة والمقاومة العربية للعدو الصهيوني. تمطّى مؤتمر القمة العربية في جدة بصلبه، وأعلن في اكتشاف تاريخي مذهل عن "مركزية القضية الفلسطينية للأمة العربية جمعاء، والهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة، عاصمة دولة فلسطين، وحق دولة فلسطين في السيادة المطلقة على أرضها المحتلة عام 1967 كافة، بما فيها القدس الشرقية، وأهمية تفعيل "مبادرة السلام العربية".
مثل هذا الكلام، وعلى الرغم من أنه محض كلام، كان يثير بعض القلق والغضب لدى دوائر الاحتلال قبل سنوات، لكنه بات الآن مما يدخل السعادة على الصهاينة، ويفتح شهيتهم للضحك وإطلاق النكات الساخرة، ولسان حالهم يقول هل من مزيدٍ من كوميديا النظام الرسمي العربي؟
اشتمل الردّ الإسرائيلي على بيان جدّة على الآتي:
أولًا: اقتحم وزير الأمن الداخلي، زعيم عصابة المستوطنين الغلاة، المسجد الأقصى المبارك، مصطحبًا رموز منظمة جبل الهيكل، ووعد المستوطنين بالسيطرة الكاملة، مكانيًا وزمانيًا، على الأقصى، مصرّحًا إن"كل التهديدات لن تجدي .. نحن أصحاب السلطة على القدس، وعلى كل الأرض".
ثانيًا: عقدت حكومة الاحتلال اجتماعها الأسبوعي داخل أحد الأنفاق الواقعة تحت حائط البراق وأسفل المسجد الأقصى، للمصادقة على مشاريع تهويدية للمدينة، وفي مقدمتها ما يسمّى "مشروع الحوض المقدس التهويدي". وحين دانت الحكومة الأردنية اقتحام الأقصى، ردّ الوزير في الحكومة الإسرائيلية، يتسحاق فسرلوف، ساخرًا "لقد طبعوا نسخة أخرى من وثيقة الإدانة السابقة".
هذه المرّة، انعقدت القمّة العربية بالتزامن مع ذكرى النكبة، وفي أعقاب عدوان إسرائيلي هو الأعنف والأكثر خسّة على قطاع غزة، ومع تنفيذ ما تسمى "مسيرة الأعلام" التي يحتفل من خلالها الاحتلال بالسيطرة على كل القدس، وهي معطياتٌ كان من المفترض أن تجعل من هذه الدورة "قمّة القدس"، غير أنها مرّت مرورًا سريعًا وخفيفًا ومستخفًا، على القضية الفلسطينية، بكلماتٍ تتردّد منذ ستينيات القرن الماضي من دون تغيير في الصياغة، مع اختلاف بسيط هذه المرّة. تمثل في حضور رئيس أوكرانيا، صاحب الهوى الصهيوني، أعمال القمة، وهو الذي حين يشير إلى أزمة احتلال بلاده يستخدم النموذج الإسرائيلي، بوصفه الطرف المظلوم، لا الظالم، والواقع تحت العدوان وليس المعتدي. قمّة يلتقي فيها رئيس أوكرانيا، التي تواجه عدوان الجيش الروسي، ورئيس سورية الذي يعيش في حماية الجيش الروسي أيضًا، بدعوة من النظام الرسمي العربي نفسه، يا لها من كوميديا سوداء.
هذه التناقضات السياسية الهادرة هي ما تجعل الكيان الصهيوني لا يأخذ القمم العربية مأخذ الجدّ، وتدفعه إلى السخرية من مقرّراتها، كونه يعلم جيدًا إن هذه المعلبات اللفظية المحفوظة تقدّم فقط للمستهلك العربي، الذي ما عاد يهتم بما يقال أو يثق في جدّيته وجدواه، يقينًا منه بأن هذا الكيان المسمّى "جامعة الدول العربية" قد مات وشبع موتًا، ولم يعد أحد يريد أن يعترف بهذه الحقيقة سوى الثنائي أحمد أبو الغيط وعمرو موسى، وأمثالهما ممن لا يرون في القمم العربية التي تستضيفها السعودية سوى فرصة لأداء العمرة.
تدرك تل أبيب جيدًا أنه كلما أمعن الرسميون العرب في صياغة خطبٍ تدغدغ مشاعر الرأي العام، كانت المسافة بينهم وبين الاحتلال الإسرائيلي أقرب، وتطمئن على مسارات التطبيع المتوازية، فتسرّع من وتيرة إجراءات التهويد وإعلان السيادة الكاملة على المقدّسات.