الرئيس المهفوف وتلامذته في بلاد العرب
عاش العالم فاصلا تهريجيا من أربع سنواتٍ لم يشهدها التاريخ المعاصر من قبل، اللهم إلا في أحلام رعاة البقر وتجّار البهارات في أيام القراصنة قبل القوانين المنظمة للملاحة والتجارة. عاش العالم فترةً من التهريج السياسي، اختتمها أنصار الرئيس الأميركي، ترامب، بتحريضٍ مسبقٍ منه، بمسرحيةٍ هزليةٍ من مسرحيات روض الفرج، تلك التي كانت ترفّه عن تجّار القطن والموظفين ورجال الأحزاب والقصر وكبار الملّاك وتجّار الأفيون وفتوات المناطق الشعبية، مسرحية من مسرحيات القطاع الخاص، معظم أبطالها من المتعصبين ضد المهاجرين وأصحاب الخطاب الشعبوي لعمل "شو سياسي" في الوقت الضائع لرجلٍ مهفوفٍ أخرجته الصناديق بلطف، فحاول، في آخر أيامه، أن يقلد تلامذته في بلاد العرب في إعادة الملك بعد ضياعه، بعمل مسرحي مضروب وممصّر قوامه البلطجة والعنف.
أدرك العالم أن السماسرة لا يصلحون للحكم، وأن المهفوفين يجب أن يوضعوا في أماكنهم الطبيعية بجوار كلابهم وأحصنتهم ومضارب الغولف وحمامات السباحة، بعيدا عن حكم الناس، مهما كانت أرصدتهم في البنوك، قبل أن يحوّلوا العالم إلى ما يشبه العصابات، والعودة به قرنين أو أكثر إلى الوراء، بالسلب والنهب، كما حدث في فترة الفتنة ما بين الأمين والمأمون عربياً، واستخدام العامة في المقتلة، أو ما حدث أمام قصر الاتحادية من سنوات سبع، بأطفال الشوارع والكولة والبلطجية بفلوس رجال الأعمال والأجهزة واستخدام الشتائم والسباب والكتابات على الجدران، بسبّ أم رئيسٍ منتخب باسمها، "شيء يذكّرك بالتشليح في الحارات الشعبية وفرش الملاية"، أو احتلال وزارة الثقافة بالنخبة، كأول عمل ثوري، فرش الأرض بالورد للسيسي بالتأكيد، أو استخدام الونش في محاولةٍ لخلع باب قصر الاتحادية، ورمي المولوتوف وإشعال الحرائق أيضا في الفنادق والمجمّعات العلمية والمدارس، ووقوف نسوة مؤجّرات أمام باب قصر الاتحادية لرفع شباشبهن، وسب رئيسٍ منتخبٍ شرعي، وإرسالهن إلى النيابات شكليا، وتفرج النيابات عنهن، حتى وصل الحد بوكلاء النيابة إلى دخول دار القضاء العالي بالطبنجات ومحاصرة النائب العام، كلها أشياء لها روائح في كتب التاريخ في أيام الفتن المصنوعة والانقلابات وقتل الخلفاء والأمراء، سواء في القلعة أو دار الخلافة أو في منازلهم أو في أوقات صلاتهم، فما أقرب اليوم في أميركا بما تم من سنوات سبع ببشائع تاريخنا العربي في بطون الكتب.
كلها فواصل بشعة من أناسٍ وصلوا إلى الحكم بالدم أو الانقلابات أو المال والسمسرة أو القسم على المصاحف بنيّة خطف الملك، حتى بات الكرسي سندهم الوحيد وطوق النجاة لهم، حتى يصلوا إلى قبورهم آمنين، وذلك وهمٌ آخر ليس مكان شرحه الآن.
كان على ترامب أن يسأل عن أصول ما يريد الإقدام عليه من تلامذته، فهم تلامذةٌ في أخذ المعونات والمساعدات والأسلحة صحيح، لكنهم أساتذة في إدارة الفتن والدماء. هم تلامذة في العلم صحيح، ولكنهم أساتذة في سن القوانين ليلا، ووضعها في عباءات القضاة، كي يحكموا بها صباحا من دون أن يهتز ميزان العدل من كثرة الدماء والإعدامات. هم أساتذة صحيح في أخذ الأوامر من البيت الأبيض، ولكنهم أساتذة في دفن القتلى والمخفيين قسريا. هم تلامذة في العلن صحيح، ولكنهم أساتذة في الليل والخفاء وتقطيع أشلاء الضحايا، فكان لابد للأستاذ من مشورة تلاميذه، لأن عضلات الدولار لا تستطيع أن تكسر باب قصر الاتحادية، حتى وإن كسرت أضلاع الفقراء في بلاد العرب.
نعم، عنده فلاسفة وكتّاب وجامعات وبورصة قوية، ولكن ليس عنده "نخنوخ" وعياله. صحيح عنده أمن قومي، ولكن عند تلامذته حفتر، و"حفاتر" كثر في سورية واليمن وتونس والعراق. نعم عنده أصحاب الوشم، ولكن تلامذته عندهم ميراث الزعران حول القلعة وبغداد ودمشق. نعم يمتلك الصواريخ والطائرات المسيرة وغير المسيرة، ولكن تلامذته يمتلكون جيوشا من الجوعى والمعوزين حول أسوار بغداد وحول المعادي والدقي ومدينة نصر وعابدين. نعم عنده صحافة حرة، ولكن تلامذته عندهم "كتبة بالآلاف"، يمتدحونهم صبح مساء، حتى وإن تلاقى حكامهم مع تاجرة جرجير تحت كوبري في الزمالك فجراً. نعم عنده إعلام بالمليارات، ولكن تلامذته عندهم إبراهيم عيسى، يقف بكرشه وحمالاته في الاستديو مساء بالسواطير والشواكيش وفردة كاوتش قديمة يكتب عليها "الاستبن"، كي يتمكّن من إزاحة محمد مرسي عن الحكم بسهولة، بعد شغل معلمين وحشود، وكان بالطبع من الصعب على سمسار عقاراتٍ أن يتقن تلك الحرفة في يومين وليلة.