09 نوفمبر 2024
الدب السوري والسمسار الروسي
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
ينشغل الإعلام العالمي والأوساط السياسية حتى اليوم بزيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى موسكو، وهذا أمر عادي أمام حدث من هذا العيار. ولكن، أن ينتشي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويتعاطى مع الحدث بوصفه إنجازاً تاريخياً، فهذا يستحق أكثر من الاستنكار. ولكي يكون المرء قادراً على اعتبار ما حصل أمراً عادياً خارج عالم الصفقات القذرة، يجب أن يمتلك القدرة على المرور قرب المأساة السورية بلا اكتراث، ولا يقيم أي وزن للأخلاق، ففي الليلة التي كان الروس فيها ينقلون الأسد إلى موسكو، من مطار عسكري قرب مدينة اللاذقية، كانت غارات طيرانهم الحربي التي تنطلق من المطار نفسه قد قتلت من الشعب السوري أكثر من ألف مدني في غضون أسبوعين، أغلبهم من الأطفال والنساء، من المفترض أنهم جزء من شعب الأسد في سورية الأسد، إلا أن الأسد كان على قدر من الكلبية ليبدو أنه غير معني بهؤلاء، فهو نتاج تربية عائلية، لا تسمح له بأن يرى من سورية غير نفسه في الحكم، مهما كان الثمن. ولذلك، ذهب إلى بوتين في موسكو، ظناً منه أنه سيظفر بآخر طوق نجاة، بعد أن رقص على الحبال كافة، ولم يتمكن من الانتصار على الثورة السورية.
لم يوفر الأسد طوال أربع سنوات وسيلة للبقاء في الحكم، وقد ظن، في بداية الثورة، أن إيران وحزب الله سيمكّنانه من القضاء على الثورة بسرعة، وتأمين حكمه في صورة نهائية. ولذا، سلم أمره لهما، فكانت النتيجة خسارة له ولحلفائه. وفي لحظةٍ حرجة، وقبل انهيار نظامه، لجأ إلى الروس، ووضع أوراقه كاملة فوق طاولة بوتين الذي قبل الدخول إلى اللعبة بشرط أن تتولى موسكو إدارة الملف السوري حصرياً، وتصبح الوصية على مصير الأسد.
ومن دون شك، تبقى الكذبة الكبرى أن الروس أخرجوا الأسد من دمشق، ليوجهوا رسالة للعالم بأنهم يتمسكون به، وهم يقاتلون في سورية من أجل بناء دولة تعددية علمانية. ينبغي أن يكون المرء مغفلاً، لكي يصدق هذه البدعة. ولنفترض أن الأمر على هذا النحو. إذن، لماذا عاملت موسكو الأسد بامتهان شديد؟ ومن يتأمل الصور التي سرّبها الروس عن بعض جوانب اللقاء بين بوتين والأسد، ويتفحص لغة الجسد في الحركات والأحاديث وتعابير الوجوه، يقع على مشاهد امتهان وقسوة من طرف بوتين ووضاعة ووغدنة من جانب الأسد.
بقي من مفاعيل الزيارة سؤال واحد، يتردد في اللقاءات الدولية التي تلتها، يتعلق بمدى تمسك موسكو بالأسد. ومنذ ذلك الحين، تسربت عدة روايات، جزم بعضها بأن موسكو أبلغت واشنطن بأنها حصلت على تعهد من الأسد بمغادرة الحكم. وبعض آخر تحدث عن رفض موسكو تقديم تعهدات بالضغط على الأسد، من أجل الخروج من المشهد. وعلى الرغم من الغموض غير البناء، فإن الثابت هنا أن موسكو تفاوض على جلد الأسد، فهو، في حساباتها، وقع في الفخ من تلقاء نفسه، لكنها لن تبيع هذه الورقة بأي ثمن، وهي تعمل على المستويين، الميداني والسياسي، لاستثمارها، لأن دخول روسيا إلى سورية غيّر من المعادلة، وبات الروس يتعاطون مع بقية الأطراف على أساس أنهم من يمسكون بمفاتيح الحل. ولكن، في حقيقة الأمر، لا تملك موسكو سوى جلد الدب السوري، لأنها، ببساطة، ليست هي الطرف المقرّر على الأرض السورية. ولهذا، تحاول، بعد شهر من تدخلها، مهادنة المعارضة السورية المسلحة الوازنة ميدانياً بعد أن فشلت في ضربها.
في معادلة بوتين والأسد، يصح الإسقاط على السمسار الروسي، الذي ينتظر الثمن المناسب لجلد الدب السوري.
لم يوفر الأسد طوال أربع سنوات وسيلة للبقاء في الحكم، وقد ظن، في بداية الثورة، أن إيران وحزب الله سيمكّنانه من القضاء على الثورة بسرعة، وتأمين حكمه في صورة نهائية. ولذا، سلم أمره لهما، فكانت النتيجة خسارة له ولحلفائه. وفي لحظةٍ حرجة، وقبل انهيار نظامه، لجأ إلى الروس، ووضع أوراقه كاملة فوق طاولة بوتين الذي قبل الدخول إلى اللعبة بشرط أن تتولى موسكو إدارة الملف السوري حصرياً، وتصبح الوصية على مصير الأسد.
ومن دون شك، تبقى الكذبة الكبرى أن الروس أخرجوا الأسد من دمشق، ليوجهوا رسالة للعالم بأنهم يتمسكون به، وهم يقاتلون في سورية من أجل بناء دولة تعددية علمانية. ينبغي أن يكون المرء مغفلاً، لكي يصدق هذه البدعة. ولنفترض أن الأمر على هذا النحو. إذن، لماذا عاملت موسكو الأسد بامتهان شديد؟ ومن يتأمل الصور التي سرّبها الروس عن بعض جوانب اللقاء بين بوتين والأسد، ويتفحص لغة الجسد في الحركات والأحاديث وتعابير الوجوه، يقع على مشاهد امتهان وقسوة من طرف بوتين ووضاعة ووغدنة من جانب الأسد.
بقي من مفاعيل الزيارة سؤال واحد، يتردد في اللقاءات الدولية التي تلتها، يتعلق بمدى تمسك موسكو بالأسد. ومنذ ذلك الحين، تسربت عدة روايات، جزم بعضها بأن موسكو أبلغت واشنطن بأنها حصلت على تعهد من الأسد بمغادرة الحكم. وبعض آخر تحدث عن رفض موسكو تقديم تعهدات بالضغط على الأسد، من أجل الخروج من المشهد. وعلى الرغم من الغموض غير البناء، فإن الثابت هنا أن موسكو تفاوض على جلد الأسد، فهو، في حساباتها، وقع في الفخ من تلقاء نفسه، لكنها لن تبيع هذه الورقة بأي ثمن، وهي تعمل على المستويين، الميداني والسياسي، لاستثمارها، لأن دخول روسيا إلى سورية غيّر من المعادلة، وبات الروس يتعاطون مع بقية الأطراف على أساس أنهم من يمسكون بمفاتيح الحل. ولكن، في حقيقة الأمر، لا تملك موسكو سوى جلد الدب السوري، لأنها، ببساطة، ليست هي الطرف المقرّر على الأرض السورية. ولهذا، تحاول، بعد شهر من تدخلها، مهادنة المعارضة السورية المسلحة الوازنة ميدانياً بعد أن فشلت في ضربها.
في معادلة بوتين والأسد، يصح الإسقاط على السمسار الروسي، الذي ينتظر الثمن المناسب لجلد الدب السوري.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024