الحماية القانونية للصحافيين في النزاعات المسلحة

الحماية القانونية للصحافيين في النزاعات المسلحة

20 أكتوبر 2023

في تشييع الصحفيين الفلسطينيين سعيد الطويل ومحمد صبح في غزّة (10/10/2023/الأناضول)

+ الخط -

جرى الاعتراف مبكّراً بأهمية دور الصحافيين في التعريف بمآسي الحروب ونشر الأخبار والصور عن سير العمليات الحربية (المادة 13 من اتفاقية لاهاي لعام 1907). وهناك أمثلة كثيرة على أنّ الأطراف المتحاربة تميل غالباً إلى تقييد عمل الصحافيين، خصوصاً لدى ارتكابها أعمالاً تمثل خرقاً لقانون الحرب، لأنّها لا تريد شهوداً على هذه الخروق، وتريد التستّر عليها أمام الرأي العام المحلي أو الدولي. وكثيراً ما شكّل الصحافيون المستقلون عوامل ضغط، حتى على حكوماتهم، أو الأطراف المتحاربة، لجعل استخدام القوة في الحرب في حدّها الأدنى، أو التسبّب بالمطالبة بوقف الحرب. ومن الأمثلة على ذلك دور الصحافيين في بيان التضليل المعلوماتي الذي كانت تقوم به القوات الأميركية في فيتنام.

يُذكر أنّ الأديب الأميركي، آرنست همنغواي، كان صحافياً ومراسلاً حربياً في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهو الحائز على جائزة نوبل في الآداب عام 1954، ومؤلف الرواية المشهورة "الشيخ والبحر". ويتصف أسلوبه بالاختصار والجملة القصيرة، ويبدو أنّ ذلك يعود إلى ضرورة الاختصار لأنّ إرسال البرقيات من أوروبا إلى الولايات المتحدة آنذاك، كان مكلفاً. وشكّلت تجاربه في زمن الحرب العالمية الأولى البنية الأساسية لروايتيه "وداعًا أيها السلاح" التي نُشرت في 1929 و"لمن تقرع الأجراس" بعد تغطيته الحرب الأهلية في إسبانيا (36/1939).

وكان استشهاد الصحافية شيرين أبو عاقلة (11مايو/ أيار 2022) نقطة تحوّل في الحديث عن الحماية القانونية للصحافيين في النزاعات المسلحة. آنذاك، قلت في مقابلات صحافية إنّ شيرين لن تكون الأخيرة في ضحايا الاحتلال الإسرائيلي من الصحافيين، وجرى رفع ثلاث قضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية لمعاقبة الجناة في مقتلها؛ واحدة رفعتها شبكة الجزيرة الإعلامية التي كانت تعمل فيها، وأخرى رفعتها السلطة الفلسطينية (انضمّت فلسطين للمحكمة وأصبحت دولة طرفا عام 2023)، وثالثة رفعها محامون نيابة عن نقابة الصحافيين الفلسطينيين والاتحاد الدولي للصحافيين في بروكسل. ويشهد التاريخ أنّ غرض التضييق على أعمال الصحافيين وتخويفهم، ضمان الجاني عدم وجود شهود على أفعاله.

وقد استشهد حتى كتابة هذه السطور سبعة صحافيين فلسطينيين منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وأصيب عشرة آخرون بجروح مختلفة، إلى جانب أنّ مقرّات عشرات المؤسسات الإعلامية تضرّرت كلياً وجزئياً، وحاججت إسرائيل مرارًا، أنّها ليست طرفاً في اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، لكنها دولة طرف في اتفاقيات جنيف.

الصحافي شخص مدني، ما دام يقوم بواجباته المعروفة، ولا يشارك في النزاع

وهناك دول تعترف باختصاص قضائها في محاكمة مجرمي الحرب والتعذيب وجرائم أخرى، حتى لو لم يكن الجناة أو الضحايا من مواطنيها، أو لم تقع الانتهاكات في أراضيها، مثل السويد التي تحاكم حالياً أحد المشتبه بهم في المشاركة بإحراق الشهيد الطيار الأردني، معاذ الكساسبة (2015)، وألمانيا التي حاكمت اشخاصاً من النظام والمعارضة السوريين بارتكاب جرائم حرب في سورية، وحكمت على اثنين منهم بالسجن مدى الحياة.

المقصود بجرائم الحرب؟

هناك ثلاثة أنواع من جرائم الحرب:

(1): جرائم الحرب في القانون الدولي الإنساني: وهي التي ترتكب خلاف اتفاقيات جنيف واتفاقيات لاهاي والقانون العرفي الدولي (من العُرف وليس الأحكام العرفية) الدولي.

(2): جرائم الحرب التي ترتكب خلاف اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية. وتختصّ بمحاكمة مرتكبي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان. ودخل نظام روما الأساسي حيّز التنفيذ في الأول من يوليو/ تموز 2002.

(3): جرائم الحرب التي ترتُكب خلاف القوانين المنشئة لمحاكم جنائية دولية خاصة، مثل المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بمحاكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا ورواندا وسيراليون. وأنشئت هذه المحاكم بقرارات ملزمة صادرة عن مجلس الأمن.

جرائم الحرب في القانون الدولي الإنساني هي ببساطة التي تُرتكب ضد قوانين الحرب وأعرافها، ويتم تحديد هذه الجرائم بناء على العرف الدولي. وجاءت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، لتحدّد هذه الجرائم بشكل دقيق وتفصيلي.

وهذه الاتفاقيات هي:

(1): اتفاقية جنيف بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان.
(2): اتفاقية جنيف بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى من أفراد القوات المسلحة في البحار.
(3): اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب.
(4): اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب.

وقد تضمّنت الاتفاقيات الأربع لأوّل مرّة تعداداً للجرائم الخطيرة التي التزمت الدول الموّقعة بتجريمها في تشريعاتها، وأن تسنّ لها العقوبات الملائمة.

إنشاء المحكمة الجنائية الدولية أعطى لاتفاقيات جنيف قوة إلزامية، إذ أصبح ممكناً ملاحقة كلّ من ارتكب جريمة حرب من الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات أمام هذه المحكمة

وقد ورد النصّ على هذه الجرائم الخطيرة في المادتين 50 و53 من الاتفاقية الأولى، والمادتين 44 و51 من الاتفاقية الثانية، والمادة 130 من الاتفاقية الثالثة، والمادة 147 من الاتفاقية الرابعة. وقد أجازت اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، تسليم الأشخاص الذين يرتكبون هذه الجرائم لمحاكمتهم بشرط أن تكون لديهم أدلة اتهامات كافية ضد هؤلاء الأشخاص. وقد تولى البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف الأربع بشأن "حماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية" تصنيف الأفعال التي تعدّ جرائم خطيرة، أو انتهاكات جسيمة تضاف إلى الانتهاكات السابقة التي أوردتها اتفاقيات جنيف لعام 1949، وذلك إذا ارتُكبت عن عمد وسبّبت وفاة أو أذى بالغاً بالجسد أو بالصحة.

كذلك أضيفت بعض الانتهاكات الجسيمة، إذا اقتُرفت عن عمد بالمخالفة للاتفاقيات أو البروتوكول الأول، فأصبح عدد هذه المخالفات 22 جريمة خطيرة من جرائم الحرب. أو بشكل أكثر تحديداً، فمن جرائم الحرب التي حدّدتها اتفاقيات جنيف: القتل العمد، إقصاء الأشخاص ونقلهم من أماكن وجودهم بصورة غير مشروعة، أخذ الرهائن، سوء استعمال علم الصليب الأحمر أو شارته أو الأعلام المماثلة، جعل السكان المدنيين أو الأفراد المدنيين هدفاً للهجوم، شن هجوم عشوائي يصيب السكان المدنيين أو الأعيان المدنية، نقل دولة الاحتلال بعض سكانها إلى الأراضي التي تحتلها أو ترحيل أو نقلّ كل أو بعض سكان الاراضي المحتلة داخل نطاق تلك الأراضي، شنّ الهجمات على الآثار التاريخية وأماكن العبادة والأعمال المعنية التي يمكن التعرّف عليها بوضوح، والتي تعكس التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، وينتج عنه تدمير بالغ لهذه الأعيان في وقتٍ لا تكون فيه هذه الآثار وأماكن العبادة في موقع قريب بصورة مباشرة من أهداف عسكرية.

ومن المعروف أنّ القانون الدولي الإنساني ليس له مخالب. ومع ذلك يترتّب على مخالفته عموماً نوعان من الجزاءات: جزاءات عامّة تقع على الدول المخالفة ذاتها. وهو جزاء قد يشكّك بعضهم في إمكانية توقيعه في مواجهة "إسرائيل"، نظراً إلى الحماية التي تقدّمها لها الولايات المتحدة وبريطانيا، وجزاءات شخصية تقع على الأشخاص الذين ارتبكوا هذه المخالفات. وبعد الحرب العالمية الثانية وإنشاء محكمتي نورمبرغ وطوكيو بموجب اتفاق بين أميركا وبريطانيا وروسيا وفرنسا، بدأت أنياب القانون الدولي الإنساني تنمو وصدرت قرارات عن هذه المحاكم ووضعت بالفعل موضع التنفيذ. ويمكن للدول الضعيفة المحاججة بنفس مبادىء نورمبرغ وتطبيق المادة الأولى التي تكرّرت في الاتفاقيات الأربع، والتي تنص على أن تتعهد الدول الأطراف المتعاقدة بأن تحترم هذه الاتفاقية، وتفرض احترامها في جميع الأحوال.

كان استشهاد شيرين أبو عاقلة نقطة تحوّل في الحديث عن الحماية القانونية للصحافيين في النزاعات المسلحة

وهذا يعني، إذن، أنّ إسرائيل ليست وحدها الملزمة باتفاقية جنيف، بل كلّ دول العالم الموّقعة على هذه الاتفاقات، مُلزمة أن تفرض احترام أحكام الاتفاقيات عليها، وخصوصا التي تتشدّق بمخالفة روسيا هذه المبادئ في أوكرانيا.

كما أنّ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية أعطى لاتفاقيات جنيف قوة إلزامية، إذ أصبح ممكناً ملاحقة كلّ من ارتكب جريمة حرب من الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات أمام هذه المحكمة، وفقا للمادتين 8 و5 من نظام روما الأساس المنشئ للمحكمة، خصوصاً أنّ فلسطين دولة طرف في المحكمة منذ عام 2015، وأصبحت العضو 123 فيها. وكانت المدّعية العامة (السابقة) للمحكمة، فاتو بنسودا، قد طلبت رأي المحكمة بشأن اختصاصها في الأراضي المحتلة، الأمر الذي أيّدته المحكمة، فمنعت الولايات المتحدة بمنع دخولها إليها. وعن حماية الصحافيين، المادة 79 من البروتوكول الأول في منتهى الوضوح، أنّ الصحافي شخص مدني، ما دام يقوم بواجباته المعروفة، وأن لا يكون مشاركاً في النزاع.

وتنص المادة "4 فقرة 4-أ" ﻤﻥ ﺍﺘﻔﺎﻗﻴﺔ ﺠﻨﻴﻑ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ على ﻤﻌﺎﻤﻠﺔ ﺃﺴﺭﻯ ﺍﻟﺤﺭﺏ "ﺍﻷﺸﺨﺎﺹ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻴﺭﺍﻓﻘﻭﻥ ﺍﻟﻘﻭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ من ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻨﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ ﺠﺯﺀﺍ ﻤﻨﻬﺎ كاﻟﻤﺭﺍﺴﻠﻴﻥ ﺍﻟﺤﺭﺒﻴﻥ". وتشترط المادة نفسها أن يحمل الصحافي بطاقة من أحد الأطراف المتحاربة أو غيرها، ﻭهي ﻨﻤﻭﺫﺝ يتضمّن معلومات شخصية عن الصحافي وصورة شخصية له، ﻭمكان ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ وتاريخه، ﻭﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺕ ﺃﺨﺭﻯ كاﻟﻁﻭل، وﺍﻟﻭﺯﻥ، ﻭﻟﻭﻥ ﺍﻟﻌﻴﻥ ﻭﺍﻟﺸﻌﺭ ﻭﻓﺼﻴﻠﺔ ﺍﻟﺩﻡ، ﻭﺒﺼﻤﺎﺕ أصابعه، وﻋﻠﻴﻪ ﺤﻤﻠﻬﺎ ﺒﺼﻔﺔ ﻤﺴﺘﻤﺭّﺓ، وﺘﻘﺩﻴﻤﻬﺎ ﻟﻠﺴﻠﻁﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﺠﺯﺓ ﻓﻭﺭ ﻭﻗﻭﻋﻪ في ﺍﻷﺴﺭ، ﻟﻴﺘﺴﻨّﻰ ﺍﻟﺘﻌﺭّﻑ ﻋﻠﻰ شخصيته.

ﻭفي ﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺸﻙ ﻓﻲ ﻭﻀﻊ ﺸﺨﺹ، ﻓﺈﻨﻪ ﻴﻤﻨﺢ ﺍﻟﻭﻀﻊ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻲ ﻷﺴﻴﺭ ﺍﻟﺤﺭﺏ، ﺤﺘﻰ ﻴﺼﺩﺭ ﻗﺭﺍﺭ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﺼّﺔ، إن لم يكن كذلك تطبيقاً لمبدأ مارتينيس أنّ "الشك يفسر لصالح المتهم"، وأنّ الشخص مدني ما لم يثبت العكس، تماما مثل الشك في مبنى أنّه عسكري أو مدني. وتنصّ المادّة (50 فقرة 1) من البرتوكول الأول أنه "ﺇﺫا ﺃﺜﺎﺭ ﺸﻙ ﺤﻭل ﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﻜﺎﻥ ﺸﺨﺹ ﻤﺎ ﻤﺩﻨﻴﺎ ﺃﻡ ﻏﻴﺭ ﻤﺩﻨﻲ، ﻓﺈﻥ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺸﺨﺹ ﻴﻌﺩ ﻤﺩﻨﻴﺎً". كما تنصّ المادة 22 فقرة 2 من البرتوكول الأول، أنّ حماية الصحافيين تشمل أشخاصهم ومعدّاتهم ومقرّات عملهم التي يعدّون فيها المواد الإعلامية ويبثونها.

سياسة الكيل بمكيالين قد صنعت واقعاً دولياً مؤسفاً ومحبطاً

وهناك مراسلون حربيون مستقلون وﻏﻴﺭ ﻤﻠﺤﻘﻴﻥ ﺒﺎﻟﻘﻭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ للأطراف المتحاربة. وقد يفقد الصحافي حقه في الحماية كشخص مدني، إذا قام ﺒﺎﻻﺸﺘﺭﺍﻙ ﺍﻟﻤﺒﺎﺸﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺭﻴﺔ وﺍﻷﻋﻤﺎل ﺍﻟﻌﺩﺍﺌﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺘﺎﻟﻴﺔ، هذا ﻴﻔﻘﺩﻩ ﺍﻟﺤﻤﺎﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺭّﺭﻫﺎ ﻟﻪ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ، ﻷﻥّ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﺼﺭّﻑ ﻤﻥ الصحافي ﻴﻌدّ ﺒﻤﺜﺎﺒﺔ ﺘﻨﺎﺯل ﻋﻥ ﺩﻭﺭﻩ ﻜﺼﺤاﻔﻲ. ومن هذه الأعمال: التقاط الصور وتصوير الأفلام التي تساعد في تحديد المواقع العسكرية وطبيعتها ﻭﻨﻘل ﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺕ الحيوية للأطراف الأﺨﺭى، أن يحمل سلاحاً يوحي بأنه مقاتل أو يلبس ﺯﻴّﺎً ﻴﺸﺒﻪ ﺍﻟﺯﻱ ﺍﻟﻌﺴﻜﺭﻱ ﺃﻭ ﻴﻘﺘﺭﺏ ﻤﻨﻪ ﺒﺸﺩّﺓ، ﺃﻭ ﻻﺯﻡ ﺃﻭ ﺘﺘﺒّﻊ ﻭﺤﺩﺓ ﻋﺴﻜﺭﻴﺔ، ﻜﻭﻥ ﺍﻟﻭﺤﺩﺍﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺭﻴﺔ ﺘﺸﻜّل ﻫﺩﻓﺎً ﻤﺸﺭﻭﻋﺎً للجانب الآخر، ﺒﺤﻴﺙ ﻴﻤﻜﻥ ﻗﺼﻔﻬﺎ في أي ﻭﻗﺕ ﻤﻥ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﺍﻟﻨﺯﺍﻉ ﺍﻟﻤﺴﻠّﺢ، الوجود ﻓﻲ ﻤﻨﺎﻁﻕ ﻤﺸﺭﻭﻋﺔ ﺍﻻﺴﺘﻬﺩﺍف.

ومن الدول التي تعاقب على انتهاكات القانون الدولي الإنساني عالمياً بلجيكا التي أصدرت قانوناً عام 1993 بمكافحة الانتهاكات الجسيمة لاﺘﻔﺎﻗﻴﺎﺕ ﺠﻨﻴﻑ ﻟﻌﺎﻡ 1949ﻭﺍﻟﺒﺭﻭﺘﻭﻜﻭﻟﻴﻥ ﺍﻹﻀﺎﻓﻴﻴﻥ ﻟﻌﺎﻡ 1997، ﻭﻗﺩ ﻨﺹّ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﻤﺒﺩﺃ ﺍﻻﺨﺘﺼﺎﺹ ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺒﺎﺨﺘﺼﺎﺹ ﺍﻟﻤﺤﺎﻜﻡ ﺍﻟﺒﻠﺠﻴﻜﻴﺔ ﺒﺎﻟﻌﻘﺎﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻨﺘﻬﺎﻜﺎﺕ ﺍﻟﺠﺴﻴﻤﺔ ﺒﻐﺽّ ﺍﻟﻨﻅﺭ ﻋﻥ ﻤﻜﺎﻥ ﺍﺭﺘﻜﺎﺒﻬﺎ، وسواء كان الجاني أو الضحية من مواطنيها، أو من أيّة جنسية أخرى، أو وقع الانتهاك خارج أراضي الدولة.

كما أنّ بريطانيا تعترف باختصاص قضائها دولياً بانتهاكات حقوق الإنسان، ومن أبرز الأمثلة على ذلك قضية رئيس تشيلي الأسبق أوغستو بينوشيه عام 1999، والتي كان منشؤها طلب إسبانيا من المملكة المتحدة تسليمه لها كي يحاكم بسبب جرائم التعذيب التي اقترفها في أثناء توليه السلطة. وخلصت أغلبية مجلس اللوردات، الذي يعتبر أعلى محكمة في المملكة المتحدة إلى أنّ الحصانة الدولية إزاء التعذيب قد اسُتبعدت بمقتضى اتفاقية مناهضة التعذيب، وأنّ جرائم التعذيب جرائم تستوجب تسليم مرتكبها، وسمح هذا القرار لوزير الداخلية بالمضي في الإجراءات المتعلّقة بتسليمه إلى إسبانيا، إلا أنّه بعدما خلص الخبراء الطبيون، أنّ بينوشيه لم يكن في صحّة جيدة تمكنه من المثول أمام المحكمة قرّر وزير الداخلية عدم تسليمه لإسبانيا، مضيفاً أنّه حر في أن يغادر بريطانيا. وبالرغم من النتيجة النهائية التي تمخضت عنها هذه القضية إلا أنّها تعتبر سابقة تاريخية في القانون الدولي لحقوق الإنسان من حيث إنّها تسبّبت في تآكل مفهوم الحصانة التي يتمتع بها رئيس دولة بسبب جرائم دولية.

الأمر المؤكّد، في النهاية، أنّ سياسة الكيل بمكيالين قد صنعت واقعاً دولياً مؤسفاً ومحبطاً.

FD10B822-E4CD-4945-B577-D94C6D3E9451
FD10B822-E4CD-4945-B577-D94C6D3E9451
يحيى شقير
خبير في قوانين الإعلام ورئيس سابق للجنة شكاوى الإعلام المرئي والمسموع في الأردن. ماجستير قانون وبكالوريوس صحافة وإعلام. صدر له "قانون ضمان حق الحصول على المعلومات في الأردن والمعايير الدولية". محرّر كتاب "مقدمة إلى التشريعات والسياسة الإعلامية في الأردن".
يحيى شقير