الحرب على غزّة وقضية بنزيمة
أخذت التغريدة التضامنيّة مع غزّة، التي كتبها لاعب كرة القدم الفرنسي من أصل جزائري، كريم بنزيمة، حيزا واسعا من النقاش في وسائل الإعلام الفرنسية. وظهر في واجهة المشهد وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، الذي اتهم لاعب نادي الاتحاد السعودي بأنه قريب من جماعة الإخوان المسلمين، وأن موقعه وزيرا للداخلية يسمح له بالاطّلاع على معلومات غير معروفة. واعتبر أن بنزيمة "ينزلق" منذ سنوات نحو إسلام متشدّدٍ وفقا للأيديولوجيا الإخوانية، والتي تقوم، حسب وصفه، على نشر الأنماط الإسلامية في قطاعاتٍ مختلفةٍ من المجتمع، وخصوصا في أوساط الرياضيين. ورغم أن الوزير أكّد على أن بنزيمة لم يرتكب ما يُؤاخَذ عليه قانونيا، ارتفعت أصوات تهاجمه، وخصوصا من شخصياتٍ تنتمي إلى اليمين واليمين المتطرّف، سواء من حزب الجمهوريين أو التجمّع الوطني بقيادة مارين لوبان، حيث وصفه بعضُهم بأنه فرنسي على الورق فقط، وطالب آخرون بسحب جنسيته الفرنسية، وكذلك كل مزدوجي الجنسية الذين يؤيدون حركة حماس. وذهب المرشّح السابق اليميني المتطرف، إريك زيمور، إلى القول إن بنزيمة إسلامي يريد تطبيق الشريعة، والجهاد هو بند في الشريعة، وهو يعني القتل. وكان أفضل أسلوب لمواجهة هذه الاتهامات هو الذهاب إلى القضاء، لكون الأمر ينطوي على دعواتٍ بسحب الجنسية الفرنسية، الأمر الذي لم يحدُث مثله منذ مرحلة النازية، بحسب محامي بنزيمة.
المصدر المباشر للغضب على اللاعب، كما عكسته تصريحات عديدين من أنصار إسرائيل، هو عدم التضامن في الوقت نفسه مع مواطنين فرنسيين، وقع بعضُهم ضحيّة هجمات "حماس" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وأغلبية هؤلاء من مزدوجي الجنسية، يحملون جوازات سفر إسرائيلية وفرنسية، غير أن موقف وزير الداخلية الفرنسي يحتمل رسالةً تتجاوز شخص بنزيمة إلى ما يملكه من تأثير، فهو لديه 20 مليون متابع على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن دون شك، تأخذ الحكومة الفرنسية في حسابها الضواحي الفرنسية التي يحظى فيها بنزيمة، وأمثاله من لاعبي كرة القدم، بشعبيّة كبيرة، ومن المعروف أن هذه الأحياء تسكنها أغلبيةٌ من جالياتٍ عربيةٍ وإسلامية مغاربية وأفريقية، وهي متعاطفة مع القضية الفلسطينية. ومنذ بداية الحرب، هناك خشية رسمية من أن تخرُج الضواحي في مظاهراتٍ تضامنية، يمكن أن تؤدّي إلى توتّرات، وهذا هو السبب في منع المظاهرات التضامنية مع غزّة حتى اليوم التاسع عشر من أكتوبر، عندما أجازتها المحكمة الإدارية رسميا، وبعد أن خرجت مظاهرات حاشدة في لندن وواشنطن، من دون أن تعكر صفو الهدوء العام.
وجد بنزيمة من يتضامن معه، مثل زعيم ثاني أكبر حزب معارض "فرنسا الأبية" جان لوك ميلانشون، الذي نشر تغريدة أكّد فيها تضامنه مع اللاعب، كما أن موقف وزير الداخلية واجه انتقاداتٍ، وارتفعت أصواتٌ تعتبر أن إطلاق الاتهامات بهذه الصورة ضد أشخاصٍ لم يرتكبوا أي جريمة ليس من مهام وزير في الحكومة الفرنسية، خصوصا أن الانتماء إلى "الإخوان المسلمين" ليس ممنوعا، فهم ينشطون على نحو علني منذ أكثر من عقدين، في مجال تنظيم شؤون الدين الاسلامي، بالتفاهم مع السلطات الفرنسية، عن طريق ما يسمّى "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، الذي أسّسه الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، ويضم هيئات ومؤسّسات ومنظمات إسلامية معترفا بها رسميا في فرنسا، ومنها اتحاد المنظمّات الإسلامية، المحسوب على تيار الإخوان المسلمين. وقد فشل المجلس في أن يكون قناة حوار فعلية، بسبب تعقيدات وضع الجاليات الإسلامية، والتدخلات الرسمية في شؤونها من الدولة الفرنسية، وبلدان الجاليات، مثل الجزائر وتركيا والمغرب، كما تراجع حضوره في العقد الأخير، بسبب ظهور إرهاب "داعش" وتأثيره السلبي على الإسلام والمسلمين.