البكاء بين يدي تيران وصنافير
يتلذّذ التاريخ بصفعنا، فيرحل الكابتن غزال، شاعر الأرض، وأحد مؤسسي فرقة "ولاد الأرض" في اليوم الذي يعلن فيه قضاء عبد الفتاح السيسي التنازل عن الأرض.
يموت شاعر المقاومة الشعبية، في السويس الباسلة، في اللحظة التي تعلن فيها السلطة العداء للمشاعر الشعبية.
انعقدت قمة البحر الميت وانفضّت، لتكون أولى ثمارها مستوطنة صهيونية جديدة في الأراضي الفلسطينية، وعبث بالجغرافيا المصرية، بسكّين القضاء المستعجل.
سيقول الفقهاء القانونيون، والخبراء الدستوريون، إن قرار محكمة الأمور المستعجلة المؤيد للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير هو حكم لا يساوي الحبر الذى كتب به، ومنعدم القيمة القانونية، والاختصاص منعقد لمجلس الدولة فقط بالفصل فى منازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه.
سيقولون أيضاً إن نص المادة 190 من الدستور تنسف حكم القضاء المستعجل.
حسناً، سيرد السيسي بإعدام مجلس الدولة، وتمزيق جثة السلطة القضائية في الطريق العام.
مبكراً جداً، قرّر السيسي أن يسبق الجميع بخطواتٍ، في طريقه إلى كسب معركة التفريط في الأرض المصرية، فعمد إلى تجفيف كل منابع الهتاف بمصرية الجزيرتين، بدءاً من نقابة الصحافيين، وصولاً إلى مجلس الدولة، مرورا بالبرلمان.
قبل ثلاثة أشهر، كانت عملية استنحار أمين عام مجلس الدولة، المستشار وائل شلبي، بعد أن صنعوا له قضية رشوة، كانت النظرة الأولى من عين السلطة الحمراء، لمجلس الدولة الذي يرفض أن يكون مجلساً للسلطة.. ثم جاءت مرحلة نحر مجلس الدولة ذاته، بسكّين البرلمان، الذي مرّر تشريعاً يمنح عبد الفتاح السيسي صلاحية التخلص من قاضي مجلس الدولة، صاحب الحكم التاريخي بالتصدّي لصفقة التنازل عن "تيران" و"صنافير"، وذلك كله في سياق عملية ترويع، أو ترويض مرفق القضاء بالكامل، عبر تشريعات "بيت السيسي" البرلماني.
وبموازاة ذلك، دارت فصول حملة اجتثاث واستئصال كل الحناجر التي صرخت يوماً ضد التنازل عن الجزيرتين، فنقابة الصحافيين جرى إخضاعها بالكامل للسلطة، وحفنة النواب الذين خرجوا عن النص بين مشلوح من البرلمان أو في طريقه إلى الشلح.
عاد السيسي من البحر الميت، منتشياً ومنتعشاً، سيما بعد أن سرى في أوصاله دفء الأرز الساخن، مجدّداً، ونال مزيداً من الرضا الصهيوني، حمله إلى عرين كفيله الأعظم، دونالد ترامب، فلا بأس من تشغيل كل الماكينات بالطاقة القصوى، من استئسادٍ على القضاء المستعصي على الترويض، واستشراسٍ في استعمال القضاء المطيع، فقبل أن تقرّر"الأمر المستعجلة" بتر تيران وصنافير من الخارطة المصرية، دارت المقصلة، لتضع رقبة الشيخ وجدي غنيم وشابين في العشرينات تحت سكين المفتي، وتؤكد وضع قيادات "الإخوان" على لوائح الكيانات الإرهابية، في تطبيقٍ مكرّر لسياسة رأس الذئب الطائر، بوصفها رسالةً لكل من يجرؤ على المعارضة بعد الآن.
منذ البداية، بحّت أصواتنا تقول إن قضية جزيرتي تيران وصنافير هي قضية المواطن في الفضاء العام الفسيح، ومن ثم كان الخطأ القاتل استدراجها إلى مقابر الأحزاب المهجورة، لتتحول من قضية شارعٍ يغلي إلى مسرحية أحزابٍ مجمدة، ومعبأة في أكياس النظام.
كانت، ولا تزال، قضية شابة، مجالها الحيوي نضال في الشارع، على رأسه سياسي شاب، هو خالد علي، لكن عجائز السياسة هبطوا عليها وسحبوها إلى مقار الأحزاب، المعتمة، ثم سلموها للنظام، وكانت نقطة التحول الكبرى، أو إعلان وفاة الحضور الجماهيري في الموضوع، في يوم 14يناير/ كانون ثاني الماضي، لمّا توجهوا إلى النظام، باستئذانه، واستسماحه، في"تظاهرة برخصة" في محيط مجلس الوزراء، غير أن قضاء النظام رفض، وقال إنه يسمح بالتظاهر، فقط، في المسافة بين مشرحة الموتى في منطقة زينهم وسجن القلعة من ناحية، وسجن العقرب المخيف، من ناحية ثالثة، في حديقة الفسطاط، وبالطبع لم يذهب أحد، أو بالأحرى، لم يستشعر أحد جدية النخب السياسية في استدعائه معركةً وطنيةً محترمة.
مرة أخرى، مشكلتك ليست مع السعودية، أو الشعب السعودي، مشكلتك مع حاكم لم يؤد الأمانة، ولم يعرف للوطن، أو للدم، حرمة، ولم يقم اعتباراً للتاريخ والجغرافيا والوثائق وحكم القضاء وأبجدية الضمير الوطني.