الببلاوي أحدث محذوفات الانقلاب

03 مارس 2014
+ الخط -

لا تختلف آلية حذف حازم الببلاوي، رئيس وزراء مصر، من حكومة الانقلاب، عن عملية حذف أقسام كبيرة من المناهج الدراسية في مراحل التعليم المختلفة، في إطار البحث عما يحفظ ماء الوجه أمام فضيحة التأجيلات المستمرة لبداية الفصل الدراسي الثاني، خوفاً من الحراك الطلابي والتظاهرات المناهضة للانقلاب.

كان أمس يوم المحذوفات في مصر التي لا تزال تتمايل في حلقة الدجل العلمي المنصوبة بالأوامر العسكرية، احتفالا بتتويج الجيش المصري بلقب "أبو الطب"على إيقاع "تسلم الأيادي"، التي اخترعت جهازاً واحداً يقضي على الإيدز وفيروس الكبد الوبائي وإنفلونزا الخنازير بالمرة.

وفي اللحظة التي كانت حكومة الببلاوي تعلن فيها عن تخفيضات هائلة في المناهج الدراسية عبر آلية المحذوفات، كان الببلاوي شخصيا يتعرض لعملية حذف، أو قل بتر أو استئصال من التشكيلة الحكومية المعينة بأمر الانقلاب، بعد نحو أسبوعين من الرقص على موسيقى "حكومة الببلاوي فاشلة" في فضائيات الانقلاب كاف. ،حتى أن رئيس حزب "النور" السلفي حدد اسم رئيس الحكومة الجديد في سهرة فضائية صاخبة قبيل "حذف" الببلاوي بساعات.

لا الببلاوي أقيل، ولا هو استقال، بل يمكنك القول إنهم "استقالوه" بمعنى أن الرسالة جاءت صارمة وواضحة، أن انتهى الوقت وبلغت حدود الدور المرسوم لك، لتلحق بسابقيك من أدوات الانقلاب المعقمة، التي تصبح بلا قيمة وينبغي التخلص منها بعد الانتهاء من العمليات الجراحية السريعة. وهكذا تبوأ الببلاوي مقعده المخصص بجوار، محمد البرادعي وزياد بهاء الدين، في خلفية المسرح، لمتابعة بقية العرض.

إن بروتوكولات الانقلاب تنص على أنه غير مسموح بالمغادرة، إلا بعد انتهاء العرض ونزول الستار على البطل في المشهد الأخير، ومن ثم لا تعرف معاجم الانقلاب مفردات مثل "الاستقالة" و"الاعتذار" و"الانسحاب". فقط يستطيع مخرج العرض وكاتبه، ممثله الأول أن يختصر مساحات الأدوار المخصصة للمساعدين في الوقت الذي يحدده، من دون أن يقدم على اتخاذ قرارات بالإقصاء والإبعاد، إذ يكفي هنا أن يومئ أو يشي أو يشير بطرف إبهامه، كي يلتقط المعني بالأمر الإشارة ويهبط من السلم الخلفي.

والحاصل أنه في الليلة التي سبقت نزول الببلاوي امتدت الأذرع الإعلامية في تزامن وتناغم لافتين، لكي تكتب السطر الأخير في حكاية الببلاوي مع رئاسة الحكومة، والتي دامت ثمانية أشهر تقريبا، أطلق خلالها من التصريحات ما يضعه إلى جوار زعماء الصرب بعد مجازر التسعينات ضد البوسنيين -هو ومن عينه- لو كان في العالم بقية من عدل أو ضمير إنساني. ولا تزال اعترافاته الهوجاء المنقوعة في خمر الانتشاء بجريمة رابعة العدوية عالقة في الأذهان، حين قال لمحطة تلفزة أمريكية: إن قوات أمن حكومته تصرفت مع المعتصمين، كما فعلت القوات الأمريكية مع شعب فيتنام المقاوم للاحتلال.

لقد رحل الببلاوي لأن "شعب السيسي" لا يريده، كونه لا ينتمي لدولة، حسني مبارك، بدرجة مائة بالمائة. ومن ثم يبقى جسداً غريباً على منظومة الثورة المضادة، حتى وإن كان إحدى أدواتها المهمة، بعدما انتهت مرحلة المزاوجة بين "يناير" و"يونيو" في جملة واحدة لتسويق الانقلاب وتسويغه. وجاءت لحظة الـ"complete cure"، وهو الاسم الذي اختاره العسكر لجهازهم الأسطوري لمعالجة الأمراض كافة والتخلص التام من كل فيروسات وشوائب ثورة يناير، التي ما ينبغي لها أن تبقى عالقة في ثياب دولة مبارك العائدة للانتقام.

هل يعني ذلك أن الببلاوي كان "ينايرياً" خالصا؟

بالطبع لا، كل ما في الأمر أن المذكور شوهد مع أشخاص مصابين بفيروس ثورة يناير، فكان لابد من عزله، أو بالأحرى حذفه.

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة