الانتخابات التركية على مقياس ريختر

07 ابريل 2023

ملصق انتخابي لحزب الشعب الجمهوري في كهرمان مرعش في تركيا (4/4/2023/فرانس برس)

+ الخط -

بدأت في تركيا حملات الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقرّرة في 14 من الشهر المقبل (مايو/ أيار). اليوم الذي اختاره الرئيس رجب طيب أردوغان، وصادق عليه البرلمان. والتبرير السائد لتقديم الموعد من 18 يونيو/ حزيران هو التزامن مع موسم الحج وامتحانات الجامعات، وهما مناسبتان تشغلان قطاعا كبيرا من الشعب التركي، غير أن المعارضة ترى في هذه الخطوة تهرّبا من مواجهة الإجراءات التي تترتب على انتخابات مبكّرة، ومنها تأمين أكثرية برلمانية للتصويت على تزكية القرار، وهو ما لا يمتلكه تحالف حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية الحاكم. وقد كانت هذه النقطة محلّ خلاف وجدل، ولكن زلزال السادس من فبراير/ شباط الماضي غيّر في ترتيب الأولويات، وألقى بثقله على الاستعدادات الجارية في وقتٍ لا تزال فيه البلاد تعاني من وقع الصدمة، ولم تتعاف بعد من آثار الكارثة التي ألقت بظلالها على برامج الأطراف المتنافسة، وخيارات الناخبين. والأمر ذاته بالنسبة إلى موضوع إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والذي ظلّ من بين أبرز موضوعات الحملة الانتخابية عدة أشهر، حتى جاء الزلزال ليحرّكه إلى مرتبة أدنى، ويجلس في الصدارة. ولكنه لم يُسقطه من التداول الانتخابي كليا، وهذا أمرٌ يمكن ملاحظته من خلال المساعي المتواصلة من حزب العدالة والتنمية، من أجل سحب هذه الورقة من يد المعارضة عن طريق تسريع خطوات التطبيع مع النظام السوري. ورغم أن روسيا تدخّلت لدى رئيس النظام بشار الأسد، من أجل تنظيم لقاء مع الرئيس التركي، إلا أنه لم يستجب واكتفى باجتماعيْن، أحدهما على مستوى نواب وزراء الخارجية بحضور روسيا وإيران، والآخر ضم وزيري الدفاع ومسؤولي المخابرات، مشترطا للاجتماعات السياسية ذات التمثيل العالي الحصول على تعهّدات بالانسحاب التركي من الأراضي السورية. وفي جميع الأحوال، لم تعد ورقة اللاجئين بالقيمة نفسها التي كانت عليها قبل الزلزال. ولذلك عاد أردوغان ليخفّف من اندفاعه نحو الأسد، الذي تحوّل إلى الهجوم بشراسة ضد الرئيس التركي، لأنه لم يقدّم تنازلاتٍ مسبقة تعزّز من وضع الأسد المتهاوي.

يبقى الزلزال الرقم الصعب في الانتخابات التركية، وتعمل المعارضة على استثماره من أجل إلحاق هزيمة بأردوغان وحزبه، وأول خطوة قامت بها في هذا الاتجاه أنها قدّمت نفسها موحدة أمام الناخب التركي، من خلف مرشّح رئاسي واحد، هو زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، بعد أن كانت منقسمة ومتردّدة بين أكثر من شخصية من داخل الحزب نفسه، وتقوم الدعاية الانتخابية للمعارضة بصدد الزلزال على إظهار الحكومة بمظهر من تأخّر في الاستجابة للكارثة، وتعمل ببطء على معالجة آثارها، ويتم وسط ذلك زج مسألة الفساد التي يتهمون بها حزب العدالة والتنمية، الذي كان قد بدأ يفقد بعض بريقه الذي حازه حين وصل إلى الحكم عام 2002، وذلك بسبب نشوء فئة من البيروقراطية المستفيدة من الحكم. ويمكن للمعارضة أن تقول الكثير عن أردوغان وحزبه، ولكن هذا شيء وإقناع الناخب التركي بأنها يمكن أن تشكّل البديل شيء آخر. وحتى لو فازت المعارضة وغادر أردوغان المشهد، فإن الناخب ليس على قناعة بأن المعارضة تستطيع إدارة البلد الذي قطع شوطا مهما على المستوى الاقتصادي، وأصبح خلال عقد قوة صاعدة لها قرار مستقل ودور في الأزمات الدولية والإقليمية، وهذه ورقة هامة بيد أردوغان الذي يقدّم نفسه أنه هو وحده الضامن لتعزيز مكانة تركيا واستقلالية قرارها، في حين لا يبدو أن خصومه يمتلكون القدرة على ذلك. وباختصار، تحتاج المعارضة لإقناع المواطنين بأنها تستطيع توفير تركيا أفضل بعد نظام أردوغان، وهذا لا يبدو واضحا في الوقت الراهن بعد كارثة الزلزال.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر