الانتخابات الإسرائيلية .. مكانك سر

28 يونيو 2022
+ الخط -

بالاتكاء على المصطلحات المستخدمة لدى العسكر، وهي بمثابة الألفباء في مجال تدريب المجنّدين للخدمة الإلزامية، أو المتطوعين الجدد في الجيوش النظامية، لخّصت سطور هذه الزاوية، في الأسبوع الماضي، ما ظلت تنتهي إليه الانتخابات العامة في العالم العربي، بجملة قصيرة دارجة على ألسنة العرفاء والرقباء المكلفين مهمة تعويد الجنود الأغرار على الطاعة وتنفيذ الأوامر من دون مناقشة، "إلى الخلف در" الشقيقة التوأم لتعبيراتٍ من القاموس ذاته، مثل "معتدل مارش"، وإلى الأمام سر، وإلى اليمين در، وغيرها من مفردات الضبط والربط والتوجيهات الصارمة.
كانت نتائج الانتخابات البرلمانية في كل من العراق ولبنان قد أملت نفسها على مقاربة الأسبوع المنصرم، وكان الانهيار الطافح بالانسداد في البلدين الواقعين في القبضة الإيرانية، ناهيك عن السقوط حتى الحضيض في منطق المحاصصة المذهبية، يؤكد المؤكّد من قبل، أن الانتخابات في ظل هيمنة سلاح المليشيات لا تنتج حلاً، بل باتت هي المشكلة، وأن الفوز أو الخسارة في هذه اللعبة، لا يقدّم كثيراً ولا يؤخّر البتة في ميزان القوى التمثيلية، طالما أن صندوق الرصاص يرجّح دائماً على صندوق الاقتراع، وأن الحياة السياسية، الداخلية والخارجية، واقعة، هي الأخرى، بيد مرجعيات تعمل من خارج الحدود، بل ومن خارج هيكل دولةٍ قائمةٍ على الورق ليس إلا.
عادت الانتخابات الإسرائيلية، بعد طول احتجاب، تتصدّر عناوين الأخبار، وتستأثر بقدر من الاهتمام، وإن بدرجة أدنى مما كان عليه الحال في سنوات خلت، الأمر الذي يفسح مجالاً للقول، ما دام الشيء بالشيء يُذكر، إنه إذا كانت عبارة "إلى الخلف در" تنطبق على نتائج الانتخابات العربية، وتروي لنا ببلاغةٍ ما يؤول إليه الحال بعد إتمامها، فإن "مكانك سر" من الفصيلة اللغوية الجافة ذاتها، تنطبق على نتائج الانتخابات المتتالية في الدولة العبرية، على الأقل في السنوات العشر الماضية، وفق ما تشير إليه وتلهج به حصيلة هذه العملية التي صارت تُنتج، تباعاً، أزمة أعمق من سابقتها، وفق ما تشير إليه متوالية انهيار الحكومات الائتلافية المتعاقبة.
إذا لم تحدُث مفاجأة، فإن دولة الاحتلال ذاهبة، للمرّة الخامسة خلال أربعين شهراً، إلى دورة انتخابات عامة جديدة، للخروج من حالة التطاحن على المصالح الحزبية والمنافع الشخصية بين المتخاصمين في اليمين المتطرّف ونظيره الأشد تطرّفاً، خصوصا بعد أن وصلت حكومة نفتالي بينت، القائمة على كراهية بنيامين نتنياهو فقط لا غير، إلى الطريق المسدود ذاته، وفقدت الأغلبية البرلمانية، وصار المخرج المتاح من وضعية الهشاشة والانسداد والشلل هو العودة إلى خيار الانتخابات، المقدّر لها، وفق الاستطلاعات الطازجة، أن تنتج مرة أخرى تلك التوازنات التي ظلت تنسخ نفسها بنفسها في كل دورة، وتستبطن في ثناياها العميقة ما هو أبعد من أزمة تشكيل حكومة.
من غير التعسّف في قراءة النتائج، أو المبالغة في عقد المقارنات بين حصيلة الانتخابات في كل من إسرائيل وبعض البلدان العربية، يمكن القول، بتحفظ، إن هناك أوجه شبه عديدة بين هاتين اللعبتين، أو قل بين هذين المسارين غير المتناظرين في جوهر الأمور، والمتشابهين من حيث الشكل البرّاني، حيث يشير كلاهما إلى وجود أزمة حكم أكبر من وجود أزمة حكومة، وتدلان معاً على حالة خواء في الزعامة، وفوضى عارمة، واشتداد المنافسة على الصغائر، مع غياب الخلافات حول أيٍّ من القضايا السياسية الكبيرة، ناهيك عن التشظّي والتهافت والانقسامات، وتفاقم مظاهر الأنانية والمنازعات الشخصية على المكانة، واحتدام الرغبة في تسوية الحسابات المؤجّلة، وتغذية الكراهية والعصبيات، الأيديولوجية والطائفية، وقل ما شئت قوله عن التفاهات الكثيرة.
ولعل لعبة الانتخابات اللبنانية، ذات الحصيلة المتطابقة مجازاً مع أمر "إلى الخلف در"، أكثر لعبة انتخابية عربية تماهياً مع اللعبة الإسرائيلية المتطابقة مع تعليمات "مكانك سرّ"، لا سيما أن كلتيهما تشيران إلى استفحال عوارض الانسداد في المطرحيْن، فوق أنهما تعبّران عن مأزق ذاتي عميق، كل على حدة، وعن أزمة حكم لا أزمة حكومة، فضلاً عما تتّسم به المنافسات على الأصوات من ترهيب بالسلاح هنا وترغيب بالمناصب هناك، وحدّث ولا حرج عن الشعارات الرنانة والوعود الكاذبة، الأمر الذي يُجيز لنا القول إن الآفة العتيقة المستوطنة في العالم العربي قد أصابت جوارها بالعدوى، وصرنا كلنا في الهم شرقُ.

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي