الاتفاق النووي الإيراني بين روحاني ورئيسي
ليس هناك أي مؤشّر على أن النسخة الأخيرة من "خطّة العمل الشاملة المشتركة"، أو الاتفاق النووي الجديد، التي قبلتها إيران، تختلف عن التي حصلت عليها حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، وأسقطها الجناح المحسوب على الرئيس الحالي، إبراهيم رئيسي، عندما أصدرَ أكثر من مائتي برلماني إيراني محافظ بيانا في مايو/ أيار 2021، أصرّوا من خلاله على ضرورة رفع جميع العقوبات من دون استثناء، رابطين عودة طهران إلى تنفيذ تعهداتها في الاتفاق النووي بهذا الشرط، وجرى ذلك في ظل مخاوف لدى أوساط محافظة من احتمال تقديم حكومة روحاني قبل ثلاثة أشهر من نهاية ولايتها، تنازلاتٍ في مباحثات فيينا.
يحمل إحياء الاتفاق النووي لإيران قدرا من السلبيات لا يُستهان به، ومن السذاجة الاعتقاد بأن الولايات المتحدة وأوروبا أضاعتا أكثر من عام في جولات ماراثونية من المفاوضات، وليس أمامهما سوى هدف إرضاء إيران. ولذا لن يكون الاتفاق الجديد باقةً من الإيجابيات يتم تقديمها لطهران على طبقٍ من الكرم الأميركي الأوروبي، بل هو يحمل قدرا من الشروط التي تفتح أبواب الانقسام الإيراني الداخلي، في وقتٍ يدور خلافٌ بين أجنحة في الحكم، بعضها يتبنّى الاتفاق وأخرى ترفضه، وهذا أمر صرح به روحاني في خطبة الوداع في الرابع عشر من يوليو/ تموز من العام الماضي، عندما حمّل البرلمان مسؤولية عدم رفع العقوبات، وكان يتحدّث عن صيغة اتفاق مبدئي لتوجيه المفاوضات نحو صفقةٍ شاملةٍ عرضها وزير خارجيته، جواد ظريف، أمام البرلمان في فبراير/ شباط 2021، لكنها سقطت ضحية قانون "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات" الذي أقرّه البرلمان في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2020، والذي أعطى للبرلمان سلطة إجازة الاتفاق من عدمه وليس الحكومة، وقادت هذا التعديل المجموعة نفسها التي فاوضت في الشوط الثاني، وهي من جناح إبراهيم رئيسي، وأحد رموزها رئيس المفاوضين علي باقري كني، المعارض للاتفاق كليا. وكانت الحجّة التي أشهرتها تدور من حول نقطة أساسية، إلغاء جميع العقوبات، والتحقق الدقيق من ذلك شرطا أساسيا لالتزام إيران بتعهداتها النووية. وشدّد بيان البرلمانيين في حينه على رفض أصحابه "تجزئة العقوبات وتقسيمها لتبقي جزءا من الضغوط الاقتصادية على الشعب الإيراني، وتمنع من انتفاعه اقتصاديا أو تخلّ بذلك".
وإذ لا تبدو معروفة نوعية المكاسب التي انتزعتها حكومة رئيسي في المفاوضات، ولم تكن موجودة في نص الاتفاق الذي توصلت إليه حكومة روحاني، فإن إلغاء جميع العقوبات غير وارد في النص النهائي. وتبيّن من الجولات التي حصلت خلال الأشهر الأخيرة أن الولايات المتحدة تمسّكت بموقفها من هذه النقطة، وفصلت بين العقوبات الخاصة بالإرهاب وتلك المرتبطة بالاتفاق النووي. ولذلك لم تتراجع عن إبقاء مؤسّساتٍ عديدة على لائحة العقوبات، ومنها على وجه الخصوص الحرس الثوري صاحب القرار في البلد. ويطرح الاتفاق الجديد أسئلة عديدة، منها ما يتعلق بالمعارضة الداخلية له، والخطوات التي يمكن أن تتّخذها لترجمة موقفها. وثمّة سؤال آخر يختص بالانعكاسات المحتملة على الوضعين، الاقتصادي والسياسي. وفي الجانب الاقتصادي، بات واضحا أن إيران سوف تجني مكاسب مهمة، بينما لا تلوح على المستوى السياسي فرصة كبيرة لمواجهة الأزمات الإقليمية التي تسبّبت بها التدخلات الإيرانية في العراق، سورية، لبنان، اليمن، ومنطقة الخليج. ومعروفٌ أن طهران استخدمت هذه الأزمات أوراقا تفاوضية من أجل تحسين شروطها مع القوى الكبرى. وهذه المسألة مرشّحة لأن ترتد عليها سلبا في حال استمرّت باللعب وفق الخطط السابقة، وذلك من منظور أن دول المنطقة تنتظر أن يدفع الاتفاق إيران إلى حل هذه الأزمات بالجملة، بدءا من إظهار حسن النيات، وهذا ليس ملحوظا بعد.