الاتفاق النووي الإيراني.. العدّ العكسي
أجواء من الترقب المشحون بالقلق في نهاية جولة اجتماعات الدوحة الخاصة بالاتفاق النووي الإيراني، التي جرت في مطلع الأسبوع الحالي. وتعيش منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط مرحلة من العدّ العكسي، قبل أن تدخل بعد أسابيع قليلة في مرحلة جديدة، تحدّد ملامحها خلاصة الجهود الجارية من أجل حسم النقاط الخلافية بين طهران وواشنطن، بعد أن حققت مفاوضات فيينا في جولاتها الأخيرة تقدّما كبيرا لجهة التوصل إلى صيغة معدّلة للاتفاق بين إيران ودول 5+1، وتبيّن من زيارة المفوّض الأعلى للخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، طهران في الأسبوع الماضي، أن توقيع النص النهائي ينتظر حلحلة الخلافات الإيرانية الأميركية حول العقوبات الغربية على إيران، تلك التي جرى فرضها في سياق الاتفاق النووي وخارجه، وهذا ما حتم عقد مباحثات ثنائية غير مباشرة في الدوحة، بتوافق الطرفين وبرعاية قطرية.
هناك تعادلٌ في نسبة النجاح والفشل لتجاوز العقبات الأخيرة، وتكمن العقدة الرئيسية في رفع الحرس الثوري عن لائحة العقوبات الأميركية، وهو الأمر الذي كانت واشنطن مستعدّة للقيام به، لو أن طهران قامت بخطوات متبادلة، إلا أنها لم تفعل. وتشمل هذه الخطوات وقف أنشطة الحرس الثوري في مناطق النزاعات، مثل اليمن وسورية ودعم حزب الله. وحسب الرواية الأميركية، لم يكن الإيرانيون جاهزين. ولذا بقي الموضوع خارج التفاوض، لكنه مطروحٌ على جدول الأعمال. ورغم تشاؤم أوساط أميركية رسمية، هناك مؤشّرات تميل إلى ترجيح كفّة التوصل إلى اتفاق لتسوية نقاط الخلاف. وأول مؤشّر على ذلك انعقاد المفاوضات في الدوحة التي تلعب دورا لتقريب مواقف الطرفين، وترى في الاتفاق تجنيبا لمنطقة الخليج من المواجهة. بينما يكمن المؤشر الثاني في التحركات الدبلوماسية التي تشهدها المنطقة، ومنها زيارة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، السعودية في الأسبوع الماضي، وانتقاله بعدها إلى طهران. ومن ثم زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أنقرة. وكان واضحا أن الهدف الرئيسي من زيارتي الكاظمي الرياض وطهران تكثيف جهود الوساطة العراقية بين العاصمتين، والتي تعود إلى أكثر من عام، ونجحت في عقد عدة جولات بين الطرفين، ويبدو من تصريحاتٍ صدرت من طهران أن تقدّما حصل في هذا الاتجاه، ولكنه حذر وينتظر التطورات في مباحثات الاتفاق.
واضحٌ أن طهران تريد أن تلعب هذه الورقة الآن، من خلال إيصال رسائل في جميع الاتجاهات بأنها مستعدّة لفتح صفحة جديدة في المنطقة، ولن تتخذ من الاتفاق النووي وسيلةً لتهديد جيرانها، وتسوية خلافاتها مع دول الجوار هي مركز اهتمامها، ولذا عبّرت عن رغبتها بتحسين علاقتها مع السعودية، كون الرياض أكثر الأطراف معارضة للاتفاق، تحت بند أنه يخلو من ضمانات توظيفه من إيران في تصعيد نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في الخليج العربي والشرق الأوسط.
يبقى أن مواقف بعض أطراف ما يسمّى "منتدى النقب" جديرة بالاهتمام، وخصوصا إسرائيل. وأعلن وزير الدفاع، بني غانتس، أن إسرائيل ليست ضد الاتفاق النووي مع إيران، ولكنها تعارض اتفاقا سيئا، ولذلك ستعمل مع واشنطن من أجل تحسينه، وهذا يعني أنها لم تنجح في إلغائه، مع أنها بلغت سقفا مرتفعا في الضغط على الولايات المتحدة، من أجل ثني إدارة الرئيس جو بايدن عن إحياء الاتفاق، وكان لها دور أساسي في دفع إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى التراجع عنه. وتحسين الاتفاق بالنسبة لإسرائيل يهدف إلى وضع رقابة على مشروع إيران العسكري ككل، سيما الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة. وهذا لا يعني أن التيار المؤيد في إسرائيل لضرب المشروع النووي الإيراني قرّر أن يصمت نهائيا، بل سيبقى هذا الاحتمال مطروحا بانتظار الظرف المناسب.