الاتفاق السعودي الإيراني إنقاذ لمن؟

14 مارس 2023

صحف إيرانية في طهران تبرز توقيع الاتفاق الإيراني السعودي (11/3/2023/فرانس برس)

+ الخط -

يصعُب التكهن بتفاصيل الاتفاق السعودي الإيراني برعايةٍ صينيةٍ لإعادة العلاقات وفتح السفارات بين البلدين في مدّة أقصاها شهران، فكل ما نشر وتسرّب من معلوماتٍ لا يعدو أن يكون كلاماً إنشائياً دبلوماسياً في مثل هذه المناسبات، أو أمنياتٍ بما يريده بعضهم لهذا الاتفاق انطلاقاً من حاجاته أو تطلعاته، لتبقى الحقيقة طيّ الكتمان وطيّ الأوراق التي تبادلها رئيسا الوفدين، السعودي والإيراني، بحضور الراعي الصيني الذي بدا كأنه الرابح الأكبر من صفقةٍ كان الجميع يعتقد أنها غير ممكنة في ظل تصاعد التوتر والتصعيد في المنطقة.
في ظل مثل هذا التكتّم وعدم الشفافية في ما جاء في هذا الاتفاق، يجدُر بنا أن نحاول استقراء ما جرى التوصل إليه في بكين، ومحاولة فهمه بعيداً عن لغة التخوين أو لغة الأمنيات، فالسعودية وإيران دولتان إقليميتان، لهما أجندات ومصالح في المنطقة والعالم، وكُلٌّ يسير باتجاه تحقيق تلك المصالح بالطريقة التي يراها مناسبة.
لعلّ اليمن هو عقدة المنشار في أي مفاوضات سابقة جرت على مدار عامين في بغداد ومسقط بين ممثلي الرياض وطهران، فالسعودية ترى أن الدعم الإيراني لجماعة الحوثي وصل إلى مستوياتٍ خطرة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أي تهدئة أو اتفاق بين البلدين من دون التوصل إلى حلحلة مناسبة في هذا الملف، والذي يبدو أن السعودية حصلت على ما تريده في الصين وهو ما دفعها إلى القبول بإعادة فتح السفارات وتطبيع العلاقات مع إيران.

الرياض تريد أن تضع إدارة الرئيس بايدن في موقف حرج

يضاف إلى ذلك أن المتابع للشأن السعودي منذ تولّي فيصل بن فرحان مقاليد الدبلوماسية السعودية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، يلحظ تغييراً جذرياً في تعاطي الرياض مع مختلف الملفات الخارجية وتحولاً دفع السعودية إلى انتهاج سياسةٍ أكثر انفتاحاً على الجوار الإقليمي، وتسير بخطوات حذرة وواثقة في الوقت ذاته، وهو ما يمكن أن يفسّر لنا أيضاً قبول السعودية تطبيع العلاقات مع إيران، والتي بدأتها بحوارات ثنائية برعاية عراقية تارة وعُمانية تارة أخرى.
نقطة أخرى يجب الانتباه لها ونحن نحاول أن نحلل طبيعة الاتفاق السعودي الإيراني، أنّ الرياض تريد أن تضع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في موقف حرج، وهو ما حصل من خلال اختيار الصين راعياً للاتفاق، وذلك رداً على تجاهل بايدن السعودية والفتور الذي أصاب هذه العلاقة منذ توليه السلطة قبل أكثر من عامين، وهذا ما جرى فعلا، فالعناوين التي خرجت بها الصحافة الأميركية في اليوم التالي للاتفاق تظهر هذا الشعور جلياً، فالكل هناك يتحدّث عن مساحة جديدة كسبتها الصين ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، وإنما أيضاً على المستوى السياسي في منطقة كانت تُعتبر تاريخياً من الخطوط الأميركية الحمراء التي يصعُب تجاوزها.
وأيضاً، لا يجب أن ننسى الرسائل التي حملها وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إلى طهران عبر بغداد، والتي تشير المصادر إلى أنها كانت تحذيرية لإيران من ضربة إسرائيلية كبيرة، طالباً في حينها من بغداد ألا تكون طرفاً في مثل هذا النزاع، وأن تعمل على حماية المصالح الأميركية خشية تعرّضها لضربات انتقامية.

طموحات سعودية كثيرة إلى الاستثمار بالعراق قد تجد لها منفذاً عبر اتفاق بكين

وصلت إلى إيران التحذيرات الأميركية، وهي تدرك أن الانفتاح على السعودية في هذا التوقيت قد يسهم في دفع تل أبيب إلى إعادة النظر في عمليةٍ من هذا النوع، خصوصاً أنّ التقارير الأميركية كانت تشير إلى أن رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، كان يراهن على تطبيع كامل للعلاقات مع السعودية خلال فترة قريبة، لتأتي الخطوة الإيرانية بالانفتاح على السعودية لسحب البساط من تحته، وأيضاً محاولة إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة أنّ أقرب حلفاء واشنطن في المنطقة، الرياض، باتت تقيم علاقات طبيعية مع طهران. وهنا يجدر بنا أن نتساءل، ونحن نحاول أن نفهم ما جرى، خصوصاً أنه لم يكن مفاجئاً بالكامل لمن يعرف تفاصيل المفاوضات التي احتضنتها بغداد طوال عامين تقريباً بين السعودية وإيران؛ هل سيشمل الاتفاق السعودي الإيراني تفاهمات أخرى تتعلق بالوجود الإيراني المليشياوي في كلّ من العراق وسورية، أم أنّ المصلحة السعودية بالدرجة الأولى تقتضي حلحلة المسألة اليمنية فقط؟
لا أحد يتوقع أنّ إيران يمكن أن تتخلى عن نفوذها في العراق وسورية ولبنان، فهي من خلال هذا الوجود المليشياوي، نجحت في الحوار وإدارة ملفها النووي مع الدول، وهي بهذه القوة الخشنة لاعبت السعودية سنوات. وبالتالي، من غير المنطقي أن تتخلّى عن هذه البيادق وأوراق اللعب. لكن وجود علاقة طبيعية بين السعودية وإيران قد يسمح للرياض بأن توجد في تلك الدول، من باب المنافسة مع النفوذ الإيراني، اقتصادياً، بمعنى أنّ طموحات سعودية كثيرة إلى الاستثمار في العراق قد تجد لها منفذاً عبر هذا الاتفاق، أما في لبنان، فالحال بالتأكيد مختلف، وأيضاً في سورية.
تبقى الأوراق التي جرى التوقيع عليها في بكين بين الرياض وطهران أوراقاً، ما لم تتحوّل إلى واقع، ومدة الشهرين لإعادة فتح السفارات قد تكون فترة اختبار نيات، بعدها وفي حال وقعت الضربة الإسرائيلية التي تهدد بها تل أبيب، قد تبعثر أوراق اتفاق بكين، أو قد تضاف لها ملاحق أخرى تجعلها أكثر قدرة على الصمود بوجه نيران منطقةٍ لا تعرف أن تخمد.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...