''الأصالة والمعاصرة'' في المغرب عبئاً على السلطة
لا يزال حزب 'الأصالة والمعاصرة، المغربي، يعيش على وقع الأزمة التنظيمية التي عصفت به، على خلفية ما بات يعرف بملفّ ''إسكوبار الصحراء'' الذي يُتابع فيه قياديان بارزان بتهم الاتجار الدولي في المخدّرات، هذا فضلاً عن قضايا فساد وتبديد أموال عمومية يُتابع فيها منتخبون وبرلمانيون ومسؤولون ينتمون للحزب الذي لم يتخلّص من لعنة الولادة في مختبر السلطة. وعلى الرغم من أن الحزب، الذي يشارك في الائتلاف الحكومي الحالي، يسعى إلى التخفيف من تداعيات هذه الأزمة، بانتخابه قيادةً ثلاثيةً تشرف على تسيير شؤونه، وإحداث لجنة تتكلف بصياغة ''ميثاق أخلاقيات''، وعقد ندواتٍ جهويةٍ لمناقشة الوثائق التي صادق عليها المؤتمر، فإنّ ملفّ ''إسكوبار الصحراء'' أصابه في مقتل، ووضعه في مفترق طرق، وأعاد إلى الواجهة سياقات تأسيسِه وأدواره غير الواضحة في السياسة المغربية.
تأسّس الحزبُ سنة 2008 بمبادرة من فؤاد عالي الهمّة، المستشار الحالي للملك، في سياق اتسم بتراجع الأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية وصعود الإسلام السياسي المعتدل. ومثّل الدفاع عن ''المشروع الديمقراطي الحداثي''، في مواجهة حزب العدالة والتنمية، الإسلامي المحافظ، العنوان الأبرز في العرض السياسي الذي قدّمه الحزب لحظة تأسيسه ودخوله معترك السياسة في المغرب. استقطب الحزبُ خليطاً من اليساريين والليبراليين ورجال الأعمال والأعيان ونشطاء المجتمع المدني، فضلا عن أنه شكّل منفذاً مرحلياً للشرائح العليا والمتوسّطة في الطبقة الوسطى التي تتطلع نحو أفق اجتماعي جديد، في ظلّ ما بدا في حينه دورة تنخيب جديدة، بعد أن وصلت الدورة السياسية التي دشّنتها حكومة عبد الرحمن اليوسفي إلى نهايتها. وقد حاول، مستثمراً دعم السلطة والأعيان ورجال الأعمال، التصدّي للإسلاميين والحدّ من تمدّدهم داخل الطبقة الوسطى ووقف زحفهم الانتخابي الذي بدأ في انتخابات 2002، لكن اندلاع النسخة المغربية من الربيع العربي (2011) أربك حساباته، خصوصاً بعد أن تصدّر غريمه اللدود ''العدالة والتنمية'' انتخابات 2011. وعلى الرغم من أنه ظلّ، طوال الولايتين الحكوميتين للإسلاميين (2021-2011) في المعارضة، إلا أنه لم يفلح في إعادة بناء رؤيته السياسية في ضوء التحولات التي شهدها الحقل الحزبي نتيجة وجود الإسلاميين على رأس الحكومة، كما أنه أخفق في إحداث انفراجٍ في ملفّ حراك الريف، بعد أن سبق لأمينه العام السابق، عبد اللطيف وهبي، أن أعلن عن إعداد ملتمسٍ للعفو الملكي عمّن تبقى من معتقلي الحراك. وجاء ملفّ ''إسكوبار الصحراء'' ليشكّل النقطة التي أفاضت الكأس، وكشفت عجز الحزب عن التحكّم في توازناته الداخلية التي باتت أكثر ارتهانا لحيتان المال والنفوذ والفساد، سيّما في ما له صلة بمنح عضوية الحزب والتزكيات الانتخابية.
كشف ملف ''إسكوبار الصحراء'' الأدوار التي تلعبها الأحزاب التي خرجت من مختبر السلطة، في تغذية الفساد السياسي وضرب محاولات تخليق الحياة السياسية، جديدها أخيرا دعوة الملك محمد السادس، الشهر الماضي، إلى ''تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدوّنة للأخلاقيات في المؤسّسة التشريعية، تكون ذات طابع قانوني ملزم''. وعلى الرغم من أن هذه الدعوة همّت كل الأحزاب السياسية إلا أن انكباب الحزب، على سن ''ميثاق الأخلاقيات'' في هذا التوقيت، لا يخلو من دلالة، إذ يُمكن اعتباره الحزبَ المعني، أكثر من غيره، بما جاء في رسالة الملك إلى المشاركين في فعالية نظّمت تخليدا للذكرى الستين لانتخاب أول برلمان مغربي (1963).
في ضوء ما تقدّم، قد لا يكون مبالغة القول إن ''الأصالة والمعاصرة'' أصبح عبئاً على السلطة، خصوصاً أمام النجاح النسبي لحزب 'التجمع الوطني للأحرار'، الذي يقود الحكومة الحالية، في التصدّي للإسلاميين والحدّ من نفوذهم وإرباك حساباتهم. وقد لا تفيد إعادة هيكلة توازناته الداخلية التي شهدها خلال مؤتمره أخيراً، في الخروج به من أزمتيه، التنظيمية والسياسية الراهنتين، ما يعني أن الحزب قد يكون أحرق أوراقه مع السلطة التي باتت تعتبره، على ما يبدو، عبئاً سياسياً ينبغي التخلص منه بشكل أو بآخر.