الأسد: أنا موجود لأشرب المرطّبات

18 اغسطس 2023
+ الخط -

ليذهب شعب سورية إلى الجحيم، اللاجئون والمقيمون. ليس لديّ كهرباء ولا ماء. لماذا يريدون العودة، ولماذا من لم يهاجر ما زال موجودا أصلا. لن أفاوض المعارضة السياسية، بالأصل أنا لا أعترف بها لكونها مصنّعة خارجيا. لن أقدم على أي خطواتٍ تساعد من يحاول تعويمي وإعادة تأهيلي دوليا. لن أحارب المخدّرات، بل هي وسيلة لعقاب الدول والمجتمعات التي تعاطفت مع المعارضة. ليس لدي ما أقدّمه للعرب سوى ابتسامات مقاسة بالسنتمتر وحركات كثيرة باليدين، وبالكثير منحهم دروسا في البدهيات والمسلمات. أنا موجود لأشرب المرطّبات، ولا أريد من أحد تعكير مزاجي.

هذه خلاصة لقاء بشّار الأسد مع فضائية سكاي نيوز عربية. بشّار عاتب على الدنيا كلها، كذب كذبة وصدّقها عن المؤامرة الكونية، كان المطلوب من العالم أن يتركه يذبح السوريين، ولا يقول له حتى حرام عليك ما تفعله. وهو ذبحهم بالفعل على طريقة عامله أمجد اليوسف الذي جمع عشرات الأشخاص، بعضُهم كان يشتري الخبز وبعضهم يبحث عن عمل، وأغمض عيونهم ورماهم في حفرة. بشّار حاقد على الدنيا كلها لأنها فضحت إجرامه، ولأن كثيرين من قادتها رفضوا مصافحة يده الملوّثة بالدماء.

يريد من اللاجئين والمشرّدين أن يبقوا في خيامهم وفي المنافي، فهو ليس مستعدّا لمنع مخابراته من التنكيل بهم حال عودتهم، وليس لديه خطّة محدّدة لإصلاح ما دمّرته براميله، تطبيقا لخطّة السجادة المطوية، والتي من خلالها حوّل المدن السورية إلى ركام، ويكاد يرى في مطالب الدول التي تغصّ باللاجئين، الأردن ولبنان، وقاحة سافرة، إذ بدل أن يطالبوه بإعادة مواطنيه عليهم أن ينشطوا لإقناع العالم بتجميع الأموال وتسليمها له، وهو بالتالي يقرّر كيفية صرفها.

ليس للأسد ما يقوله بحقّ ضحاياه، لا ندم ولا مراجعة، ولو عاد الزمان فسيفعل ما فعله

المشكلة أن بشّار، ومن دون أن يرفّ له جفن، يحاكم العرب على ما يعتبره تقصيرا وحتى مؤامرة ضده. مطلوب منهم ملء خزانته بالأموال وبناء مدن ترفيهية، مولات وأبراج وخطوط مترو، ليس للسوريين طبعا، لكن شكلا من المكافأة، أو التكفير عن الذنب، من دون أن يوضح لماذا على العرب أن يكافئوه والذنب الذي يريدهم التكفير عنه، هل لأنه قتل ملايين العرب وشرّدهم، أم لأنه حوّل سورية إلى مستعمرة إيرانية روسية، أم لأنهم قالوا لا تصدّقوه إنه يكذب؟

أما للشعب السوري الذي ابتلته الأقدار بالبقاء تحت سلطته، فليس لديه ما يقدّمه له، بل على السوريين أن يسبحوا بحمده لأنه تركهم أحياء يرزقون، ولم يغتصبهم فردا فردا، كما فعلت أجهزته ومليشياته مع ملايين السوريين، وهو غير مستعد حتى لمناقشة المقاربات الإقليمية والدولية للحل، حتى لو كانت ستساهم في حلحلة الأوضاع الاقتصادية وإنقاذ السوريين من شبح مجاعةٍ على الأبواب. هذه ليست مشكلته، وعليهم أن يتدبّروا أمرهم، كأن يبيعوا الكبتاغون، أو يتعاطوه لينسوا أزماتهم، أو يقذفوا أولادهم إلى الموت في البحار، وإذا لم يعجبهم هذا وذاك، فليذهبوا لمقاتلة أميركا وإخراجها من شرق سورية، أو يضغطوا على الدول العربية لتفتح خزائنها له.

ليس للأسد ما يقوله بحقّ ضحاياه، لا ندم ولا مراجعة، ولو عاد الزمان فسيفعل ما فعله، لكنه أيضا سيستدرك الأخطاء التي ارتكبها، فهو نادمٌ لأنه لم يستخدم أقصى درجات العنف منذ اللحظة الأولى، لو فعل ذلك لما وصل إلى هنا، وربما نادم أنه اكتفى بتقليع أظفار أطفال درعا ولم يقتلهم وذويهم، نادم على تقديراته الخاطئة وسماعه المستشارين الذين كان يقول لهم إن التنازل لا ينفع، وربما انتقاما منهم قتلهم في تفجير خلية الأزمة.

سورية، في ظل بشّار الأسد، ستهوي الى قيعانٍ لا قعر لها

ولكن، وليواسي نفسه، يضع المشكلة في إطارٍ أكبر، فالمشكلة لم تكن شخص الرئيس. وبالتالي، لم تكن المشكلة في الاستبداد ولا في الفساد، المطلوب كان سورية، من دون أن يكشف السبب في استهداف سورية من الخارج، رغم أن سورية، في تلك الفترة، كانت دولة بدون مشروع ولا فعالية، دولة تحكمها مافيا الأسد، رامي مخلوف وذو الهمّة شاليش، تحاول العوم على أمواج العولمة بدون آليات وتجهيزات مناسبة، دولة لم تستطع تقديم أدنى مساعدة لمواطنيها في شرق البلاد الذين أنهكهم الجفاف، ورحلوا جماعات جماعات إلى دمشق ودرعا يبحثون عن مأوى وطعام.

لا يريد الأسد أن يضيّع وقته الثمين في التفكير بالقضايا التفصيلية المعيشية للسوريين، هو مختصٌّ بشرب المرطبات، وفي أوقات الفراغ يتابع المشهد الجيوسياسي العالمي وتغيّراته، ويتخيل دورا له في النظام العالمي الذي سيولد من رحم هزائم بوتين في أوكرانيا. لا يدرك أن سورية باتت تعيش على فتات الصحن الإيراني، وأنها بالفعل تحوّلت لمحافظة إيرانية هامشية، خصوصا بعد الاتفاقيات الاقتصادية التي جرى التوقيع عليها أخيرا، ليست مشكلة في أن يتوسّل وزراؤه إيران لضخّ بعض السيولة في شرايين اقتصاده المتيبّسة، مقابل أن تحصل على ما تشاء من أراضٍ وعقارات ومصادر ثروات.

تحتاج البلاد في الأزمات التي أقل من أزمة سورية إلى عقول ديناميكية وقادة استثنائيين يخرجونها من أزمتها، قادة لديهم رؤى وتطلعات وإرادة في الإنجاز، قدرة على التقاط توجّهات السياسة الدولية، والحصول على ما أمكن من الفوائد. ولكن سورية، في ظل بشّار الأسد، ستهوي الى قيعانٍ لا قعر لها.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".