الأردن في المؤشّر العربي: حذر ومخاوف

16 يناير 2023
+ الخط -

قدَّم المؤشّر العربي للعام 2022 في دورته الثامنة، والذي يصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات منذ عام 2011، اتجاهات الرأي العام العربي في 14 بلداً عربياً، وبعينة استطلاعية بلغت 33300 ألف مستجيب ومستجيبة، وبمعدل عمل 72 ألف ساعة شارك فيها 945 باحثاً. وبقدر ما يكتسب الالتزام بدورية إصدار المؤشر العربي سنوياً من أهمية بالغة، تعكس مدى الحاجة لسبر آراء المواطن العربي، للتعرّف على ميولة ورغباته ومخاوفه وسلوكه، وبما يؤمن به أو يعتقده، وبما يخدم صنّاع السياسات العامة في الدول العربية، بقدر ما يوفر "المؤشّر" منجماً من البيانات العلمية الضخمة للباحثين العرب، وهي بياناتٌ مستندةٌ إلى جهد علمي ومنهجية واضحة وهوامش خطأ قليلة جداً.
أجمع العرب الذين استجابوا للاستطلاع في مختلف الدول على أولوية الظروف المعيشية من فقر وبطالة وتراجع في الخدمات، وتقدّمت هذه الأوضاع على مؤشر الفساد الذي كان سبباً مباشراً لخروج العرب قبل عقد في ثورات وحركات احتجاجية متعدّدة المآلات اليوم. وحافظت إسرائيل ورفض التطبيع معها في صدراة الرفض لها، وفي اعتبارها مهدّدا للأمن الوطني. 
وبشأن الأردن في المؤشّر العربي، من حيث المخاوف والآراء العامة تجاه القضايا التي حدّدها الاستطلاع، تقدّم البيانات والنتائج المجمتع الأردني غير منفصل عن باقي المجتمعات العربية، ومتفقا في مواقف كثيرة معها بشكل عام، وهو يملك صفاتٍ مشابهة لتلك الدول المثقلة اقتصادياتها ومعيشة مواطنيها بأوجاع الفقر والبطالة وتدنّي الخدمات.

في ما يخصّ إسرائيل، أجاب الأردنيون برفض الاعتراف بها بنسبة 94%

في السؤال عن الوضع الاقتصادي، أجاب 77% من المستجيبين بأنه سيئ وسيئ جداً، كما أن 60% منهم يرون الأولوية للاقتصاد، وتراجع الفساد إلى الأولوية السادسة عربيا، والأردنيون جزء من هذا الرأي. وفي ما يخصّ إسرائيل، أجابوا برفض الاعتراف بها بنسبة 94%. وفي السؤال عن الحرب الأوكرانية، قال 39% منهم إنها فعل غير مبرّر، و32% أفادوا بأنه مبرّر إلى حدٍ ما، وهذا ما يؤشّر على نوع من الانقسام أردنيا تجاه هذه الحرب. ولعل هذا الرأي العام مرتبط بأميركا وبروسيا التي يؤيدها جهمور أردني لا بأس به، والسبب الكبير هو الحرب العراقية واحتلال أميركا العراق، ووقوف أوكرانيا إلى جانب الولايات المتحدة.
ولعلّ اللافت في إجابات "المؤشر" أردنيا ليس في عدم الاعتراف بإسرائيل بنسبة عالية (موقف ثابت لم يتغير كثيرا عن نتائج الدورات السابقة للمؤشر في الأردن، ولا في الموقف المتأرجح وسطا بين التبرير إلى حدٍ ما أو عدمه بالنسبة لحرب أوكرانيا)، بل المهم هو عالم المسطح الأزرق وأشقائه من وسائل التواصل الاجتماعي أردنيا، علما أن "فيسبوك" هو الأكثر متابعة بين مواقع التواصل وشبكاته في الأردن، حيث أفاد 37% بأنهم لا يستخدمون وسائل التواصل للحصول على معلومات سياسية، و10% أقل من مرّة في الأسبوع يستخدمونها، فهم الأكثر عربيا في قلة (وعدم) الالتفات إلى وسائل التواصل مصدرا للمعلومات والأخبار السياسية، وهم يتقاربون في هذه النسبة مع جمهور السعودية. وبدت الثقة في هذه الوسائل متأرجحة من حيث التزوّد بالأخبار والمعلومات التي تنشر، فهناك 43% يتلقون الأخبار في الأردن من صفحات تلفزيونية إخبارية، و31% من صفحات إعلاميين، و26% من مجموعات "واتساب"، أما المؤثرون فحلّوا بنسبة 18.9% عند الأردنيين في تلقّي المعلومات منهم.

قلق كبير على مصادر العيش والحياة اليومية مع اتساع الفقر والبطالة

قلة تلقي متابعة الأخبار من صفحات المؤثرين كشفت عنها نسبة المتابعة لهم، إذ إن 66% من الأردنيين لا يتابعون حسابات المؤثرين، و27 يتابعونهم أحياناً، وبدا أنّ أكثر المؤثرين متابعة في الأردن هم الرياضيون. وفي مدى اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي خطراً ضد الأطفال، كانت إجابات الأردنيين مرتفعة بالموافقة على خطرها بنسبة 78% وافقوا بشدة، و18% وافقوا إلى حدّْ ما. وقد تصدّر الأردنيون المؤشّر العربي بالنسبة الأعلى التي ترى أن عدم فرض ضوابط من الأهل على استخدام الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي تعرّضهم للخطر بنسبة 80% يوافقون بشدة على هذا الخطر، لذا فإن 82% منهم يؤيدون بشدّة فرض رقابة أهلية على استخدام الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي.
تظهر قراءة الاستجابات الأردنية للمؤشّر العربي مجتمعاً لديه قلق كبير على مصادر العيش والحياة اليومية مع اتساع الفقر والبطالة، وهو انسجام مع طبيعة الظروف التي يمرّ بها بلد مثل الأردن، وهو أمر يقع ضمن خانة 52% من العرب الذين رأوا أنّ الأمور في بلادهم تسير بالاتجاه الخاطئ.
صحيح أن ثقة الأردنيين قد تبدو مهمة في الجيش، لكن المهم أكثر رأيهم بسلبية الربيع العربي، حيث أفاد 33% منهم بأنهم يرونه سلبيا جداً، و19% سلبيا إلى حدّْ ما، بمعنى أن 52% في الأردن يرون الربيع العربي بين خياري: سلبي وسلبي إلى حدّْ ما. وإذ يقدّم المؤشر العربي هذه البيانات (وغيرها)، فهي خير دليل لأهل السياسة والتخطيط في الأردن كي يستعيدوا الثقة بالمواطن، وكي يدركوا مآلات الوضع الراهن الذي يحتاج كثيرا من العمل والصدق مع المواطن، واتخاذ قرارات مدروسة في ظل تلك البيانات العلمية المهمّة، لكي يتحرّر المواطن من مخاوفه وقلقه.

F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.