الأردن في المؤشّر العربي

14 أكتوبر 2020
+ الخط -

يعدّ الأردن من البلدان التي يتشكّل فيها الرأي العام بتسارع كبير؛ ومردُّ ذلك سهولة الاتصالات وشيوع استخدام الإنترنت، وحيوية المجتمع وارتفاع نسبة التعليم فيه وضمان الحريات العامة. ولكن للخصائص الأردنية الوصفية العميقة، والتي تُشكّل مركّب الهوية العامة، فاعليتها الخاصة التي تُعطي ملامحها في الاجابة عن أسئلةٍ كثيرة تتعلق بالعروبة وقضاياها، بالإضافة إلى القضايا الوطنية ذات البعديْن الأمني والاجتماعي، في بلد تلقّى كل صدمات الإقليم وحرائقه، ونتائج ثورات هذا الإقليم التي ما زالت باقية. ولذلك ليس من السهل أن يُرحب الأردنيون، حسب المؤشّر العربي، بالربيع العربي، وليس من الغريب أن تكون نظرتهم سلبية إلى نتائجه أو الحكم عليه بالانتهاء، إذ بدا الرأي العام فارقا لدى الأردنيين من بين مواطني الدول العربية المستطلعة، فـ43% منهم يرون أن الربيع العربي انتهى، والأكثرية الأردنية تراه سلبياً بنسبة 40%. وهي أعلى نسبة عربية في هذا التقييم. 

صحيحٌ أن الأردن بلد شهد حراكات اجتماعية كثيفة منذ العام 2010، تمثّلت باحتجاجاتٍ شعبية توسعت مع انطلاق الربيع العربي لاحقاً، لكنَّ الثابت اليوم اختفاء الكتلة الحراكية، خصوصا بعد إسكات النقابات، وتفريغ صوتها، وإنهاء قوة جماعة الإخوان المسملين بقوة القانون، وذلك كله كان عاملاً في بلوغ الربيع الأردني منتهاه، مع خفة حدّة طرح المتقاعدين العسكريين واحتواء غضبهم الذي عبروا عنه، في بيانهم (الشهير؟) في الأول من مايو/ أيار عام 2010، أي عشية انطلاق الربيع العربي من تونس. 

الثابت اليوم اختفاء الكتلة الحراكية، خصوصا بعد إسكات النقابات، وتفريغ صوتها، وإنهاء قوة جماعة الإخوان المسملين بقوة القانون

لكن ما الذي يقدمه المؤشر العربي الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في دورته السابعة عن الأردن؟ تكون الإجابة بما هو أبعد عن سؤال الربيع العربي الذي يمكن اعتباره مقياس رادار للمزاج الأردني الخاص؟ في بلد تضخم عدد سكانه بفعل النكبات والثورات والأزمات منذ العام 1990 لضعفي عدده. لذا، لربما تكون الإجابة بشأن حصيلة المؤشر العربي أردنياً يسيرة، بلغة الأرقام ذات القيمة العلمية المعرفية، والتي يوفرها المؤشر للعامين 2019 - 2020، وهي مؤشّرات وقاعدة بيانات علمية رقمية للتوجهات والاعتقادات والمواقف التي يتبناها الجمهور العربي بعامة، والأردني منه، تجاه قضايا الحكم والديمقراطية والدين والفساد والحرية والربيع العربي والتهديدات الخارجية، ولا تنفصل عن المسار العام للسنوات السابقة التي أجاب فيها الأردنيون عن الأسئلة نفسها.

في العامين الأخيرين، لم يُخف سياسيّون أردنيون مقولة إنّ "الأردن محاصر"، وإنّ مواقفه الرافضة خطة الرئيس الأميركي، ترامب، التي ذاعت تسميتها صفقة القرن، لربما تسحب شيئاً من المزايا التفضيلية للدعم المالي الذي يتلقاه، وهو ما لمّح إليه العاهل الأردني مراراً بأنه لن يتنازل عن القدس ومسؤوليته التاريخية تجاهها، وهو أمر أتبعه لاحقاً الأردن "الرسمي" برفض تجديد استثمار العدو لأراضي الغمر والباقورة. ولاحقاً جاءت ردود الفعل الدبلوماسية الأردنية على اتفاقيات أشقاء عرب مع الاسرائيلين أقرب إلى التحفظ، وربطها الأردن بتحقيق حل الدولتين، وفي ظل وجود فلسطيني ومكون تاريخي في الأردن. وفي ظل مزاج وموقف شعبي أردني ثابت تجاه فلسطين وقضيتها، جاءت الإجابة عن سؤال المؤشر العربي تجاه القضية الفلسطينية بأن قال 93% إنها تظل قضية عربية، و6% يرونها قضية فلسطينية، ويتصل بذلك الرفض الواضح للاعتراف بإسرائيل بنسبة 93% مقابل 6% يؤيدون الاعتراف بها. ولهذا، فالأكثرية الأردنية، وبنسبة 51%، ترى إسرائيل في مقدمة الدول المهدّدة للأردن، وتليها أميركا بنسبة 12%، فإيران بنسبة 7%. ولافت أن 4% يرون أنّ ثمّة دولا عربية وإقليمية تشكل تهديدا للأردن. 

ولكن الظرفية السياسية للعام الفائت، 2019، وللعام الجاري، بتحدّيات أزمة كورونا وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي، يبدو أنها ألقت بظلالها على إجابات الناس عن سؤال الدخل والظروف المعيشية والاقتصادية، إذ أفاد ما نسبته 55% منهم بأن دخلهم يغطي النفقات، وأنهم يواجهون صعوبات في توفير الحاجيات، كما أفاد 49% بأن دخلهم يغطي نفقاتهم لكنهم لا يوفرون منه. أمّا من يستطيعون التوفير من الدخل فقط ثبتوا على الدرجة نفسها في المؤشر السابق عند نقطة 4%. ويتصل الظرف الاقتصادي بالحديث عن موضوع الهجرة، ويبدو أن تحدّي ارتفاع البطالة التي ارتفعت نسبتها هذا العام إلى حدود 23% انعكس على خيارات المستجيبن للمؤشّر العربي الذي كشف أن 67% من المستجيبين في الأردن يرغبون بالهجرة و33% يرفضون خيارها.

ليس في الأردن أحزاب متجذّرة كما في بلدان عربية أخرى، شملها الاستطلاع، مثل تونس والمغرب

ولعلّ ما يميز الأردن عربياً هو الاستقرار السياسي النسبي، والحريات السياسية الممنوحة للمواطن الأردني، وهذا لا يُحدث تأثيراً كبيراً في السياسات الحاكمة، لكن المناخ المفتوح للناس يشجّع على النقد السياسي، وإذا أدركنا أن الأردن ليس فيه أحزاب متجذّرة كما في بلدان عربية أخرى شملها الاستطلاع، مثل تونس والمغرب، وهي أحزابٌ تتنافس على الحكومات وتشكيلها، ومع هذا، فإن الذين قالوا إن الوضع السياسي في الأردن بين جيد وجيد جدا هم %64، و30% أجابوا بأنه سيئ وسيئ جدا، و6% أجابوا بعدم المعرفة، فيما أجاب 6.4% بقدرتهم على انتقاد الحكومة. 

وتبرز أهمية المؤسسة العسكرية في الأردن من خلال استجابات المستطلعين لمؤشّر الثقة، فالجيش هو أعلى مؤسسة في مؤشر الثقة لديهم بنسبة 98%، يليه الأمن العام بنسبة 91%، فالحكومة بنسبة 48%، والقضاء بنسبة 67%، والأدنى كان البرلمان في مستوى ثقة بنسبة 19%، أمّا الثقة بالأحزاب فجاءت متدنية بنسبة 14%. ولعلّ تدني الثقة بالبرلمان مردّه واضح نتيجة قانون الانتخاب وإفرازاته، وقدرة الحكومات على وضع المجالس النيابية في بطنها وإسكاتها. أما عن الأحزاب، فإن الثقافة الحزبية الأردنية ضعيفة، بسبب تولي الدولة توليد النخبة السياسية. وتشكّل الأحزاب تاريخيا فروعا لأحزاب عربية، بالتالي غابت الأحزاب ذات البعد الوطني، وغابت الثقة بالوليد الجديد منها. 

لافت تلقي الأردنيين للمعلومات السياسية والأخبار أنها تأتي بنسبة 58% من التلفاز و36% من الإنترنت

وفي بلد برلمانه ضعيف في القضايا الداخلية الرقابية، وتنفرد به الحكومات بتمرير القرارات، انعكست تلك الوضعية على موضوع الفساد ومدركاته، حيث يرى 98% من الأردنيين أن الفساد المالي والإداري منتشر بدرجات متفاوتة، وأنّ أكثر الفئات انخراطاً في الفساد هم كبار موظفي الدولة بنسبة 31%، يليهم رجال الأعمال بنسبة 26%، ثمّ السياسيّون بنسبة 25%. ويعرف أردنيون كثيرون أن قضايا مثل سكن كريم كان أبطالها نوابا. وكثيرا ما صرح العاهل الأردني عن ضرورة "كسر ظهر الفساد"، وأشار إلى تدخل النواب في قضايا فساد، وعملهم بالضغط على الجهاز القضائي الذي ظل محصّناً منهم.

وفي مجال النظام الديمقراطي، يراه 91% من الأردنيين أفضل من غيره، و48% يرون أنّ النظام المحكوم بالشريعة الإسلامية ملائم للبلد، فيما يعارض ذلك 49% من المستجيبين. وأظهر المؤشّر أنّ مؤشّر الديمقراطية في الأردن بلغ 6.1 من عشرة، و30% يقبلون بوصول حزب سياسي إلى السلطة بالانتخابات، وإن اختلفوا معه سياسياً، وفي المقابل 46% يرون أن البلد غير مهيأ للممارسة الديمقراطية.

30% يقبلون بوصول حزب سياسي إلى السلطة بالانتخابات، وإن اختلفوا معه سياسياً، و46% يرون أن البلد غير مهيأ للممارسة الديمقراطية

ومع أن السمة العامة بأن الرأي العام الأردني يتأثر ويؤثر في الفضاء الاجتماعي الإلكتروني بشكل كبير، إلا أنّ اللافت في تلقي الأردنيين للمعلومات السياسية والأخبار أنها تأتي بنسبة 58% من التلفاز و36% من الإنترنت، ولعل مردّ ذلك طبيعة امتلاك الدوله لأغلب مصادر المعلومات وغياب الصحافة والإعلام المستقل أو الخاص، في بلد تهيمن فيه الحكومات على مصادر الصحافة الورقية من خلال امتلاكها، ومن خلال أهم محطتي تلفاز، التلفزيون الأردني وقناة المملكة، وهناك قناة رؤيا الخاصة التي تلقت ضربة بأدوات قانونية، مع بداية العام 2020، بحبس مدير أخبارها ومديرها، ما جعلها تدور في فلك المسموح به، ولا تخرج عن الإيقاع الرسمي إلا نادراً.

صحيحٌ أنّ المؤشّر العربي لهذا العام يكشف عن التوجهات الدينية لدى الأردنيين، بحيث أن 82% أفادوا بأنهم متدينون، و14% متدينون بدرجة أقل، و79% يرفضون تكفير جهة ما لأي شخص بسبب دينه وأفكاره، كما أن 73% منهم يوافقون على أن تستخدم الحكومة الدين لدعم توجهاتها السياسية، و26 يعارضون ذلك. إلا أن سِمَة التديّن في المجتمع الأردني هي أن تدينه غير شبكي، بمعنى أنه يخلو من الطرق الصوفية المندمجة بالاقتصاد، أو أن مركّب التدين يسير بجنبه خط قومي عروبي تقدّمي بالنزعة ذاتها، المتشدّدة أحياناً للعروبة، وهي خطوطٌ متشابكة وظاهرة في التعبير القومي لدى الأردنيين تجاه أي دولة عربية تتعرّض للعداون من عدو خارجي، أو ظلم ذوي القربى.

F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.