22 نوفمبر 2024
الأحلام و"نوبل" للطب
هل حلمُ الإنسان في النوم من مشاغل علم النفس وحده، أم أن لعلوم الطب صلةٌ به أيضا، طالما أنه من أنشطة الدماغ. ولحدوثِه، أو زيارته النائم، تفسيرٌ بيولوجي ما؟ مناسبة السؤال أن مسألة الأحلام في المنام، بوصفها ظاهرةً دماغية على صلةٍ بمسألة الساعة البيولوجية لدى الإنسان، واحدةٌ من قضايا اعتنى ببحثها الأطباء الأميركيون الثلاثة الذين أحرزوا جائزة نوبل للطب، الأسبوع الماضي، جيفري هول (1945) ومايكل روزباش (1944) ومايكل يونغ (1949). فقد اختصّت بحوثهم بالجينات التي تنظّم عمل الساعة البيولوجية في جسد الإنسان، وتجعله يتفاعل مع تعاقب الليل والنهار، وهذا العمل يفعّل أنشطةً متنوّعةً للدماغ، ويولّد ظاهرة الأحلام، "المستعصية على التفسير البيولوجي المباشر"، على ما أضاءت تقارير صحفية على صنيع العلماء الثلاثة الذي يعتني، إلى حدٍّ كبير، وعلميٍّ بالغ الاختصاص، المحض والثقيل، بالنور والظلام، بالعتمة والوضوح، بالشروق والغروب، باليقظة والنوم. وفي الوسع أن يوجز المرء مشاغل أطباء "نوبل" الجدد بأنها معنيةٌ تماما بما قد نسميه "آناء الليل والنهار"، فقد قالت أكاديمية كارولينسكا، في بيان منح الجائزة، إن ثلاثتهم تمكّنوا من "عزل الجين الذي يتحكّم بالإيقاع البيولوجي الطبيعي في جسم ذبابة الفاكهة" (ما هي هذه الذبابة؟). وأضاف البيان إننا بالتدريج صرنا نعرف أن هناك ساعاتٍ بيولوجيةً تعمل بآلياتٍ متشابهةٍ في الكائنات المتعددة الخلايا، وضمنها الإنسان.
لعله الشعور بتعاقب الليل والنهار، وكذا الشعور بالحاجة إلى الخلود للنوم، وبضرورة اليقظة في وقت محدد، هو الذي أنفق الأطباء الأميركيون الثلاثة (وغيرهم ربما) جهدا عريضا، في مختبراتٍ، أفيد بأن التجارب التي أجريت فيها، فيما يتعلق بهذا الخصوص، بشأن هرمونات الإنسان وحرارة جسمه، وما يخزّنه من سعراتٍ حرارية، ليستهلكها في اليوم التالي، بعد يقظته من النوم. ..
ولكن، لماذا ذلك "الاستعصاء" بشأن المستوى البيولوجي لأحلام الإنسان، والتي يقول العلماء أنفسهم إنها من أنشطة الدماغ، ويقولون أيضا إن للجينات التي تنظم "الساعة البيولوجية" صلة بتوليدها؟ لربما يجوز القول، اجتهادا في الإجابة، إن ما أضافه علماء نوبل الأميركيون الثلاثة، محطةٌ متقدمةٌ في مسار حل هذا الاستعصاء. ولا أدري أي خطواتٍ بحثية ومخبرية في الجينات بقيت للوصول إلى كيفيات إفراز الأحلام وتوالدها في أثناء نوم الإنسان، دماغيا. وفي المقابل، يجوز القول إن الاحلام استُنزفت بحثا في علم النفس، وقال فيها فرويد كثيرا، في كتابيه "تفسير الأحلام" و"الهذيان والأحلام في الفن" (كلاهما منقولان إلى العربية). وقد اعتبر أن الأحلام تنتج عن صراع نفسي بين الرغبات اللاشعورية المكبوتة والمقاومة النفسية التي تسعى إلى كبت هذه الرغبات اللاشعورية. وقد طاف غير فرويد في "تشريح" الأحلام وطرائق تفسيرها، وغالبا ما تأثّر هذا كله بمرجعياتٍ دينية لدى الذين انقطعوا إلى هذا الأمر، وإذا كان قد اشتهر من بينهم ابن سيرين، فإن غيره زادوا وعادوا في المسألة، يبرز من المتأخرين منهم المتصوّف الدمشقي، عبد الغني النابلسي (توفي في 1731)، ففي مصنّفه "تعطير الأنام في تعبير المنام"، يجمع ما سبق زمنه من أقوال ومعارف في تفسير الأحلام، وإن اعتنى بالرؤيا وأنواعها، وبالباطل منها وغير الباطل.
اختلط التخريف بالحدْسي، واختلط الفني بالمصنوع، واختلط الكلام البليغ بالكلام الفارغ، في شأن الأحلام وتفاسيرها. وثمّة الباع المهم لأهل علم النفس وناسه، من قماشة فرويد وتلامذته (إدلر مثلا). هذا كله لا مطرح له في مختبرات العلماء الثلاثة، ولا حتى للكلام المطروح في علم النفس: الأحلام ضرورة للتنفيس عن العواطف المتضاربة داخل العقل الباطن، وبصورة رمزية. وكنت قد قرأت، في زمن بعيد، أن الأحلام لا تزال مشكلةً من حيث مسبباتها، والظاهر أن "نوبل" للطب اقتربت هذا العام من حوافّ هذه المشكلة، ربما بانتظار أن تكرّم الجائزة العتيدة، في موسم آخر، من يحل المشكلة، أو أقله يفككها، جينيا ودماغيا، علماء من قماشة جيفري هول ومايكل روزباش ومايكل يونغ، وفق الله الجميع.
لعله الشعور بتعاقب الليل والنهار، وكذا الشعور بالحاجة إلى الخلود للنوم، وبضرورة اليقظة في وقت محدد، هو الذي أنفق الأطباء الأميركيون الثلاثة (وغيرهم ربما) جهدا عريضا، في مختبراتٍ، أفيد بأن التجارب التي أجريت فيها، فيما يتعلق بهذا الخصوص، بشأن هرمونات الإنسان وحرارة جسمه، وما يخزّنه من سعراتٍ حرارية، ليستهلكها في اليوم التالي، بعد يقظته من النوم. ..
ولكن، لماذا ذلك "الاستعصاء" بشأن المستوى البيولوجي لأحلام الإنسان، والتي يقول العلماء أنفسهم إنها من أنشطة الدماغ، ويقولون أيضا إن للجينات التي تنظم "الساعة البيولوجية" صلة بتوليدها؟ لربما يجوز القول، اجتهادا في الإجابة، إن ما أضافه علماء نوبل الأميركيون الثلاثة، محطةٌ متقدمةٌ في مسار حل هذا الاستعصاء. ولا أدري أي خطواتٍ بحثية ومخبرية في الجينات بقيت للوصول إلى كيفيات إفراز الأحلام وتوالدها في أثناء نوم الإنسان، دماغيا. وفي المقابل، يجوز القول إن الاحلام استُنزفت بحثا في علم النفس، وقال فيها فرويد كثيرا، في كتابيه "تفسير الأحلام" و"الهذيان والأحلام في الفن" (كلاهما منقولان إلى العربية). وقد اعتبر أن الأحلام تنتج عن صراع نفسي بين الرغبات اللاشعورية المكبوتة والمقاومة النفسية التي تسعى إلى كبت هذه الرغبات اللاشعورية. وقد طاف غير فرويد في "تشريح" الأحلام وطرائق تفسيرها، وغالبا ما تأثّر هذا كله بمرجعياتٍ دينية لدى الذين انقطعوا إلى هذا الأمر، وإذا كان قد اشتهر من بينهم ابن سيرين، فإن غيره زادوا وعادوا في المسألة، يبرز من المتأخرين منهم المتصوّف الدمشقي، عبد الغني النابلسي (توفي في 1731)، ففي مصنّفه "تعطير الأنام في تعبير المنام"، يجمع ما سبق زمنه من أقوال ومعارف في تفسير الأحلام، وإن اعتنى بالرؤيا وأنواعها، وبالباطل منها وغير الباطل.
اختلط التخريف بالحدْسي، واختلط الفني بالمصنوع، واختلط الكلام البليغ بالكلام الفارغ، في شأن الأحلام وتفاسيرها. وثمّة الباع المهم لأهل علم النفس وناسه، من قماشة فرويد وتلامذته (إدلر مثلا). هذا كله لا مطرح له في مختبرات العلماء الثلاثة، ولا حتى للكلام المطروح في علم النفس: الأحلام ضرورة للتنفيس عن العواطف المتضاربة داخل العقل الباطن، وبصورة رمزية. وكنت قد قرأت، في زمن بعيد، أن الأحلام لا تزال مشكلةً من حيث مسبباتها، والظاهر أن "نوبل" للطب اقتربت هذا العام من حوافّ هذه المشكلة، ربما بانتظار أن تكرّم الجائزة العتيدة، في موسم آخر، من يحل المشكلة، أو أقله يفككها، جينيا ودماغيا، علماء من قماشة جيفري هول ومايكل روزباش ومايكل يونغ، وفق الله الجميع.