اتفاقية إسطنبول للحبوب امتحان جديد للدبلوماسية

25 مارس 2023
+ الخط -

وقّعت روسيا وأوكرانيا، في 22 يوليو/ تموز 2022، على اتفاقية في إسطنبول بوساطة الأمم المتحدة وتركيا، تسمح بموجبها لكييف بإعادة فتح ثلاثة من موانئها (أوديسا، تشورنامورسك، يوجني) على البحر الأسود لتصدير الحبوب، بما يسمح بتصدير ملايين الأطنان من الحبوب العالقة في أوكرانيا بسبب الأعمال العسكرية منذ 24 فبراير/ شباط العام الماضي، ثم جُدّدت الاتفاقية في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني أربعة أشهر. ومع انتهاء سريان تمديدها الأول، أكّدت تركيا وروسيا وأوكرانيا تمديد اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية، وبينما أعلنت كييف أنه جرى تمديدها 120 يومًا، قالت موسكو إن فترة التمديد 60 يومًا فقط، حيث أعلن الكرملين أن روسيا قرّرت تمديد اتفاق الحبوب عبر البحر الأسود 60 يوما مؤكّدا تصريحات سابقة لوزارة الخارجية. وأعلنت الأمم المتحدة أن المناقشات بشأن اتفاق الحبوب عبر البحر الأسود جارية، وكان نائب وزير الخارجية الروسي قد أعلن، بعد مفاوضات مع الأمم المتحدة في جنيف قبل أيام، أن بلاده تؤيّد تمديد اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية 60 يومًا فقط، بعدما كان يُمدَّد تطبيق النص كل مرة 120 يومًا.

وربطت مصادر روسية قرار موسكو بعلاقة الصداقة التي تربط الرئيس الروسي بوتين بنظيره التركي أردوغان الذي يستعدّ لخوض انتخابات مفصلية في 14 مايو/ أيار المقبل، هي الأهم في تاريخه، حيث يعتبر الاتفاق واستمراره ورقة نجاح للدبلوماسية التركية، بالإضافة إلى العائد الاقتصادي الذي تجنيه تركيا، وهي ثمرة جهود وساطة أردوغان.

وقاد الاتفاق إلى تحرير حركة المنتجات الزراعية الأوكرانية من موانئها الجنوبية، ويهدّد تعليقه بتعميق أزمة الغذاء العالمية، وفقا لتقارير عالمية، فتوقف شحنات الحبوب الأوكرانية، من المتوقع أن يدفع نحو ارتفاع الأسعار العالمية للقمح والذرة والمنتجات الزراعية الأخرى، حيث أتاحت الاتفاقية تصدير أكثر من 23 مليون طن من الحبوب والمنتجات الزراعية الأوكرانية الأخرى، وفقا لبيانات الأمم المتحدة ومسؤولين في الاتحاد الاوروبي. وبحسب أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ساهم الاتفاق في خفض الكلفة العالمية للغذاء ووفّر مساعدة حيوية للسكان الذين يدفعون أيضا ثمنا باهظا في هذه الحرب، خصوصا في البلدان النامية، وذكّر غوتيريس بأن الحبوب والأسمدة الأوكرانية، وكذلك الروسية، ضرورية للأمن الغذائي العالمي وأسعار المواد الغذائية، في ظل انتشار التضخّم في بلدانٍ عديدة.

قاد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية إلى تحرير حركة المنتجات الزراعية الأوكرانية من موانئها الجنوبية، ويهدّد تعليقه بتعميق أزمة الغذاء العالمية

وتعدّ صفقة اتفاقية الحبوب إنجازا دبلوماسيا مهما، في ظل تصاعد التوترات بين روسيا والغرب، وساهمت في خفض الأسعار العالمية للقمح إلى مستويات ما قبل الحرب، ما ساعد على تخفيف أزمة الغذاء العالمية التي نتجت جزئيا عن الحرب وتداعياتها التي تتجاوز الجغرافيا الأوكرانية، وكذلك حدود القارة الأوروبية، حيث تعتبر كل من أوكرانيا وروسيا من أهم المورّدين العالميين للحبوب والأسمدة، وقد سهلت الاتفاقية بيع هذه السلع في السوق العالمية، ودعت الأمم المتحدة إلى الحفاظ على اتفاق تصدير الحبوب، حيث لا يمكن تمديدُه سوى بموافقة جميع الأطراف. ولكن روسيا قالت إنها غير راضيةٍ عن بعض بنود الاتفاق، مشيرة إلى ضرورة إزالة عقباتٍ أمام صادراتها الزراعية، قبل أن تسمح باستمراره. وذكرت الخارجية الروسية أن الجزء الأوكراني من اتفاقية تصدير الحبوب فعّال، بينما روسيا ممنوعة من تصدير منتجاتها الزراعية، وأنها لن توافق على تمديد الاتفاقية إذا لم يتم ضمان الجزء المتعلق بصادرات روسيا.

وتكرّر روسيا باستمرار أنه بسبب العقوبات التي تفرضها واشنطن وبروكسل، لا يمكن تصدير مخزونها من المنتجات الزراعية، لكن الإجراءات الغربية، وفق مصادر، لم تؤثر على تلك المنتجات، لكن شركات الشحن الخاصة وشركات التأمين والبنوك والشركات الأخرى المتعلقة باللوجستيات تخشى من التعامل مع روسيا في تصدير الحبوب والأسمدة، خوفًا من أن تتعارض مع العقوبات، أو أن التعاون مع موسكو قد يضرّ بسمعتها.

الهدف الأساسي لاتفاق الحبوب إنهاء الحصار على الصادرات الأوكرانية

وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي لاتفاق الحبوب كان إنهاء الحصار على الصادرات الأوكرانية، والذي كان جزءًا من أزمة الغذاء العالمية، إلا أنه سمح أيضًا بمزيدٍ من شحنات الحبوب والأسمدة الروسية، وتصرّ موسكو على أن هذا الشقّ من الاتفاقية لم يطبّق، بينما تؤكّد واشنطن أنها لم تستهدف الأسمدة أو المنتجات الزراعية الأخرى في إطار عقوباتها الشاملة على روسيا.

ويمكن القول إن موسكو أرادت من موافقتها على الاتفاقية تحقيق أهدافٍ عديدة في وقت واحد، كسب تأييد دولٍ تعاني من أزمات غذائية خانقة، وموقفها ما زال يتأرجح بين واشنطن وموسكو حيال ما يجري في أوكرانيا، كما أن من شأن الاتفاقية كسر العقوبات الغربية على صادرات روسيا من المنتجات الغذائية، بالإضافة إلى إعطاء نصر دبلوماسي لتركيا التي تسير بحذر، وتمسك العصا من المنتصف في الصراع بين موسكو والغرب، و لعبت دورا أساسيا في الوساطة لإنجاز الاتفاق.

مع استياء موسكو من بعض بنوده، يبقى القول إن الاتفاق الأهم منذ اشتعال الأزمة في أوكرانيا أمام امتحان جديد للدبلوماسية، والواضح أن روسيا، الطرف الرابع للاتفاق، لا تزال تتمسّك بموقفها الذي يربط استمراره وتمديده بتنفيذ الشقّ المتعلق بتصدير منتجاتها الزراعية أسوة بالحبوب الأوكرانية.