إلى يائيل دايان
بيديه العاريتين وحسب، يتحوّل عمار حمدي نايف المفلح إلى ممثل شرعي ووحيد لشعبٍ ابتُلي بقياداته أكثر من أعدائه. يُظهره فيديو انتشر كالنار في الهشيم، وهو يقاوم جندياً إسرائيلياً يُحكِم قبضته على رقبته، فيدفعه عمّار ويكاد يوقِعه، قبل أن تفلت البندقية من الجندي، فيُسارع هذا إلى إخراج مسدّسه، وإطلاق النار على الشاب من المسافة صفر.
كان بإمكان الجندي الإسرائيلي السيطرة على الشاب، لو استدعى بعضَ زملائه، وكان بإمكان الشاب أن يستسلم فينجو، لكنهما اختارا، كلّ على طريقته، أن يمثّلا، رغماً عنهما، طبيعة الصراع الأكبر والأطول في المنطقة.
كانت يائيل دايان، ابنة الجنرال موشيه دايان، متفائلة أكثر مما يجب، حين كتبت، بعد توقيع اتفاق أوسلو، إذا لم أخطئ، أنه آن الأوان "لنا" أن نتحرّر من دمهم (الفلسطينيون)، ولا يحتاج الأمر إلى حكومة يمينية أكثر، ولا إلى وزير فيها يريد تطبيق الشريعة لينزل جماعة السلام الإبراهيمي عن شجرة العار التي تسلقوها وهم يوزّعون علينا الابتسامات.
انظر ماذا حدث بعد إطلاق النار على عمّار في نابلس. منع الجندي الإسرائيلي الفلسطينيين الذين تجمّعوا في المكان من إسعافه، كذلك منع طواقم الإسعاف الفلسطينية من نقله إلى أقرب مستشفى، وتركه ينزف عشرين دقيقة، كان في الوسع إنقاذ حياته خلالها، قبل نقله بسيارة إسعاف إسرائيلية، لتُعلَن وفاته بعد ذلك.
عليك أن تتأمّل صورته كيلا تقع في خديعة الإعلام الذي حوّل الفلسطينيين إلى مجرّد أرقام وجهّلهم، فإذا هم بلا وجوه، ولا أمهات يمزّق قلوبهن الحزن لما بقي لهنّ من أعمار. في الصور، يبدو عمّار حليقاً، على وسامة لافتة بعينين ناعستين. إنها صورة شابٍّ قُتل وهو في الثانية والعشرين من عمره. صورة شابٍّ يتعامل الآباء في مناطق أخرى من العالم مع من يماثلهم عمراً باعتبارهم أطفالاً، لكن عمّار لم تتح له حتى الفرصة ليكون طفلاً، فقد اعتقل وهو في الرابعة عشرة من عمره، واعتقل بعد ذلك بعام، حاله حال عشرات آلاف الشبّان الفلسطينيين.
السيدة يائيل دايان، هل رأيتِ وجه عمّار حمدي نايف المفلح؟ هل رأيتِ وجه عمر منّاع، الخبّاز في مخيم الدهيشة؟ هل رأيت عيني الأخير كم هما جميلتان؟ هل تعرفين أنهما، وكذلك الأخوين جواد وظافر الريماوي، ومحمود السعدي، وعشرات مثلهم، في عمر أحفادك إن لم يكونوا أصغر؟ كان هؤلاء يستحقّون أعداءً أفضل منكم، كما كان من حقّ صبا وإيلاف، السوريتين المتروكتين في عراء اللجوء القاسي، حاكماً أفضل، وكذلك الحال مع حسين البعريني، حارس المدرسة في عكّار اللبنانية الذي حمل وليده الميت، ومشى به كيلومترين، حتى يتمكّن من دفنه، بعد أن رهن سيارته مقابل تسلّم جثمانه ... وما ضربت المثليْن الأخيريْن من سورية ولبنان، إلا لأقول لك إن الوحش الإسرائيلي الذي تعرفينه أكثر من غيرك يتمدّد في منطقتنا ويتخذ أشكالاً وأسماءً عدة، وأن عليك وأمثالك القليلين في إسرائيل أن تتمتعوا بالشجاعة، لنتحرّر من رصاص جنودكم وأتباعهم.