إلى أين تسير الأزمة اليمنية؟
تراوح الأزمة اليمنية مكانها، على الرغم مما حمله موقف الإدارة الأميركية الجديدة بشأن وقف كل أشكال الدعم للحرب في اليمن. وفي وقت كان يُتوقع أن يشكل هذا القرار خطوة نحو توافق إقليمي ودولي على وقف هذه الحرب. تختلط الأوراق مجدّدا بعد احتدام المواجهات في مأرب بين الحوثيين والجيش اليمني، وتزايدِ الهجمات التي يشنّها الحوثيون على مطاريْ أبها وجدة السعوديين. هذا التصعيد يفسَّر بسعي الحوثيين، ومن خلفهم إيران، نحو تحقيق تقدّم ميداني، يكون ورقة ضغط في أي تسوية إقليمية، وهي التسوية التي لا تتحمّل خريطةُ النفوذ والقوة في المنطقة أن تنفصل فيها الأزمةُ اليمنية عن الملف النووي الإيراني.
هذا الوضع يدفع الأزمة إلى مزيد من التعقيدين، الميداني والسياسي، فالتحول الذي طرأ على السياسة الأميركية بشأن الحرب في اليمن ينطوي على غير قليلٍ من التناقض، بحيث يعكس حرص إدارة الرئيس بايدن على الإمساك بخيوط هذه الأزمة، مع سعيها، في الوقت ذاته، نحو حل المشكلة النووية الإيرانية بأقل التكاليف الممكنة. ومن ثمَّ، يتوازى وقفُ دعم واشنطن الحرب في اليمن مع رفع جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب، والاستمرارِ في الدعم العسكري للسعودية في مواجهة خصومها في الإقليم، وفي مقدمتهم جماعة الحوثي التي تدعمها إيران باعتبارها فاعلا رئيسا في المشهد اليمني. ويغذّي هذا التناقض الفجوة بين ما تسوقه القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في هذا المشهد بشأن إعادة الشرعية التي تمثلها حكومة الرئيس عبد ربه هادي وإنهاء معاناة اليمنيين، وأهدافها الحقيقية المرتبطة بصراع النفوذ والقوة في المنطقة.
علاوة على ذلك، يندرج التحوّل في رؤية هذه الإدارة للشأن اليمني ضمن إعادة تعريف السياسة الخارجية الأميركية وجدولة أولوياتها، بعد فوز جو بايدن في الرئاسيات الأميركية، فهو يتوخّى، كذلك، ترك ''منطقة رمادية'' في التعاطي مع هذا الشأن، تسمح بحماية مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ولذلك، لا يُستبعد أن يكون قرار وقف الدعم العسكري للسعودية مدخلا نحو دفع الحوثيين إلى السيطرة على مناطق جديدة، في أفق التوصل إلى خريطة ميدانية جديدة، تسمح بتسويةٍ تكون في قلب التسوية الإقليمية الكبرى التي يشكل الملف النووي الإيراني عنوانها الاستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ولعل تزامن تكثيف الحوثيين هجماتهم على مدينة مأرب مع استهدافهم العمق السعودي يقع ضمن استراتيجيتهم لتعزيز موقعهم، وموقع حليفتهم إيران، في مفاوضات الحل الإقليمي الشامل الذي لم تنضج بعد، على ما يبدو، مخرجاته الكبرى.
تعي واشنطن أن جماعة الحوثي أضحت جزءا من معادلة الصراع اليمني، فالحرب التي شنها التحالف على مدار السنوات المنصرمة لم تُفض إلى استعادة الشرعية، بل بالعكس أفضت إلى انهيار الدولة اليمنية، وتدمير البنية التحتية، ومفاقمة معاناة الشعب اليمني، وإضعاف الحكومة الشرعية التي أصبحت عاجزةً عن التخلص من الوصاية السعودية والإماراتية وإقرارِ سلطتها في العاصمة المؤقتة عدن. ومن ثمَّ، يصعب، من المنظور الأميركي، صياغة حل سياسي يلقي بهذه الجماعة خارج ترتيبات اقتسام السلطة في اليمن، في ظل المخاطر التي يمثلها الملف النووي الإيراني بالنسبة للإدارة الأميركية الجديدة، ما يعني أن أي تسويةٍ ترعاها هذه الإدارة في اليمن ستكون على صلةٍ بالتحدّيات التي يفرضها الصراع السعودي الإيراني في الإقليم، أي إيجاد توازن بين النفوذ الإيراني الذي تترجمه جماعة الحوثي باعتبارها رقما أساسيا في المشهد اليمني، وطمأنةِ حلفائها في المنطقة، وحمايتهم من الهجمات التي تشنها هذه الجماعة على الأراضي السعودية.
تنذر التطورات الميدانية أخيرا بدخول الأزمة اليمنية منعطفا جديدا، قد يكون مقدمةً لتسوية سياسية، ترعاها إدارة الرئيس بايدن ضمن ترتيباتٍ لإعادة تقسيم خريطة النفوذ والقوة داخل اليمن. وفي انتظار إنضاج هذه التسوية، تستمر المواجهات على أكثر من واجهة، وتزداد الكلفة الإنسانية الباهظة لهذا الصراع الذي تتسابق القوى الإقليمية والدولية لتغذيته أكثر، من أجل تقسيم اليمن، وقطع الطريق على المشروع الديمقراطي الذي يُفترض أن ثورة 11 فبراير في 2011 جاءت لتضع لبنته الأولى.