إسرائيل و"معضلة "الحرب في أوكرانيا

23 أكتوبر 2022
+ الخط -

منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي، وجدت إسرائيل نفسها في وضعٍ حرج وصعب. وحاولت منذ اليوم الأول لاندلاع المعارك أن تقف موقفاً حيادياً وانتهجت سياسة "السير بين النقاط"، من خلال إعلان تضامنها مع الشعب الأوكراني، واستعدادها لتقديم مساعدات إنسانية له، وفتح أبوابها لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين، لكنها، من جهة أخرى، تعمّدت عدم الوقوف صفاً واحداً مع دول الغرب وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وإدانة الغزو الروسي، كي لا تثير غضب سيد الكرملين فلاديمير بوتين، وتخرّب التفاهمات الأمنية بينها وبين الجيش الروسي الموجود في سورية، الأمر الذي قد يؤدّي إلى الحد من حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية واللبنانية.

ولكن التطورات التي شهدها القتال في أوكرانيا أخيرا، وبصورة خاصة الهجوم الذي تعرّضت له كييف بالمسيّرات الانتحارية الإيرانية في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، والذي ترافق بطلب من أوكرانيا إلى إسرائيل بتزويدها بمنظومات دفاع جوّي متطورة، أثار من جديد الجدل إزاء هذه الحرب، وهو جدل يدور على مستويين: أخلاقي- سياسي؛ وعسكري- استراتيجي. فقد تكاثرت، أخيرا، الأصوات التي تطالب الحكومة الإسرائيلية بضرورة تغيير سياستها الحيادية حيال الحرب الأوكرانية لأسباب أخلاقية، بحجّة أن من واجب دولةٍ، مثل إسرائيل، أن تقف ضد جرائم الحرب التي ارتكبها الروس ضد المدنيين الأوكرانيين. وفي الحقيقة، ينطوي هذا الخطاب على كثير من الازدواجية والرياء، كونه صادرا عن دولة يقتل جيشها يومياً المدنيين الفلسطينيين، ويعتقل الأطفال بتهمة إلقاء حجارة، ويعتدي على حرمات البيوت الفلسطينية.

تشكّل الحرب في أوكرانيا حقل تجارب للسلاح الإيراني الدقيق والمتطوّر

الجدل الحقيقي هو على المستوى العسكري، وهو الأكثر إشكالية، ويضع إسرائيل أمام معضلة حقيقية، ويطرح عليها السؤال: هل يؤدّي التدخل الإيراني في الحرب الأوكرانية إلى تغيير سياستها الحيادية حيال هذه الحرب؟ وعلى الرغم من تصريحات وزير الدفاع بني غانتس، أخيرا، أن إسرائيل لن تزوّد أوكرانيا بمنظومات دفاع جوي، بل بمنظومات إنذار، هناك انقسام واضح في المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية بين معسكرين: معسكر يؤيد استمرار السياسة الحالية الحيادية لإسرائيل منعاً من إثارة غضب روسيا وتعريض العلاقات معها للخطر والإضرار بالمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية؛ بالاضافة إلى اعتبارت إسرائيلية، مثل عدم التفريط بالمخزون من هذه المنظومات التي تحتاجها إسرائيل، والخوف من أن يؤدّي تسليم أوكرانيا منظومة القبة الحديدية إلى تسرّب تكنولوجيا إسرائيلية سرّية إلى دولة أجنبية. بينما يرى المعسكر المؤيد لتقديم مساعدة عسكرية دفاعية إلى كييف أنه لم يعد في استطاعة إسرائيل الوقوف موقف المتفرّج بعد انضمام إيران إلى المعركة إلى جانب روسيا، وظهور عمق التقارب العسكري الإيراني - الروسي، وحجم خطورة السلاح الإيراني المتطور والدقيق. في رأيهم، ما تشهده الجبهة الأوكرانية من تدخل إيراني يشكل أيضاَ تأكيداً لما سبق وقالته إسرائيل عن خطورة حصول إيران على سلاح نووي على دول العالم كله، وليس على إسرائيل ودول المنطقة فقط.

عملياً، يقضّ ظهور سلاح المسيّرات الإيرانية الانتحارية في الحرب على أوكرانيا واحتمال تزويد إيران روسيا بصواريخ أرض- أرض مضجع المؤسسة الأمنية في إسرائيل والحكومة في آن معاً. ففي رأي أكثر من مصدر إسرائيلي، تشكّل الحرب في أوكرانيا حقل تجارب للسلاح الإيراني الدقيق والمتطوّر، ومن شبه المؤكّد أن الإيرانيين سيستغلون هذه الفرصة من أجل تطوير هذا السلاح بالتعاون مع الروس، وسيأتي اليوم الذي سيوجّه فيه هذا السلاح ضد المدن الإسرائيلية.

تكاثرت الأصوات التي تطالب الحكومة الإسرائيلية بتغيير سياستها الحيادية حيال الحرب الأوكرانية

يعلم المسؤولون العسكريون والسياسيون في إسرائيل أن أي خروج عن سياسة الحياد سيعرّض إسرائيل إلى مخاطر جمّة، وقد يؤدّي إلى مواجهة بينها وبين روسيا، لن تقتصر على المستوى الدعائي، أو بخطوات رمزية، مثل قرار الكرملين وقف عمل الوكالة اليهودية على الأراضي الروسية. ولن تكتفي روسيا بتوجيه التحذيرات إلى إسرائيل من مغبّة تقديم مساعدة عسكرية إلى النظام في أوكرانيا.

على الأرجح، لن تتورّط إسرائيل بتقديم مساعدة عسكرية إلى أوكرانيا، على الرغم من أن الرأي العام الإسرائيلي عموماً يتعاطف مع الشعب الأوكراني، حتى الذين من أصول روسية، ويشكلون 20% من السكان. وفي إسرائيل، تأتي المصالح العسكرية والاستراتيجية قبل أي واجبات أخلاقية. على الرغم من ذلك، يضغط ما يحدث على إسرائيل، ويدفعها إلى أن تتابع عن كثب تطورات التعاون العسكري الإيراني – الروسي، واستخلاص دروسه وتداعيات عملياتها العسكرية على أكثر من جبهة، وعلى ميزان القوى العسكرية بينها وبين إيران.

رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر