أي حلٍّ في ليبيا؟
لا حل عسكرياً للأزمة في ليبيا. عبارة لا يكاد يخلو حديث أي مسؤول عربي أو دولي منها عند التطرّق إلى الحرب الدائرة منذ سنوات في هذا البلد. وسرعان ما تقترن بإعلان آخر عن أهمية الحل السياسي. لكن السؤال الحقيقي يتمحور حول طبيعة الحل القادر على إسكات صوت المدافع والبنادق؟
ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبل يومين، يمكن التوقف عنده باعتياره نموذجا يلخص ما يجري في ليبيا. أشار بوضوح إلى أن حليف موسكو، خليفة حفتر، عندما كان يعتقد أنه يتخذ مواقع أفضل على الأرض لم يكن جاهزاً لتوقيع اتفاق مقبول لحكومة الوفاق (المعترف بها دولياً). أما اليوم، وبعد الهزائم العسكرية التي تلقاها، انقلبت المعادلة، إذ أصبح على استعداد لمثل هذه الخطوة. واتهم الوزير الروسي حكومة فائز السراج بأنها هي التي تعرقل ذلك، وتحدّث عن تنسيق مع تركيا من أجل إرساء هدنة.
منذ اللحظة الأولى لبداية مغامرات حفتر، وانتقالها تباعاً إلى مرحلةٍ أكثر تهوّراً بمحاولة السيطرة على العاصمة طرابلس، كان واضحاً أنه، إلى جانب حلفائه العرب والدوليين، لا يعوّلون إلا على الحل العسكري. كانت حسابات هذا المعسكر تعتقد أنه سيكون من السهل إضعاف حكومة طرابلس، والدخول إلى العاصمة، وفرض الاتفاق السياسي الذي يريده، على قاعدة أن المنتصر يحصل على ما يريد. ومع كل محاولة لدفع أطرافٍ دوليةٍ عدة التسوية السياسية، كان حفتر، يتجاوب شكلياً، يحضر مؤتمراً هنا واجتماعاً هناك، يلتقط صورة أمام الإعلام، ثم يخرج لإكمال تمرّده.
لم تسر الرياح كما يشتهي حفتر. وكما عثر على من يسانده ويمدّه بالسلاح والمال لتغذية استمرار الحرب، لم تكن حكومة الوفاق، الوحيدة المعترف بها دولياً، تقاتل بلا دعم لمنع سقوطها، قبل أن تنقلب المعادلة على نحو متسارع في الأسابيع الأخيرة بعد الدعم التركي المباشر. يستحضر هذا المشهد إعلان لافروف نفسه أن التنسيق يتم مع تركيا بهدف التوصل إلى هدنةٍ في ليبيا. وعلى عكس حلفاء حفتر الآخرين، في القاهرة وأبوظبي وحتى باريس، تبدو موسكو الأكثر قدرةً على أداء دور المفاوض مع أنقرة، انطلاقاً من قنوات الاتصال المفتوحة على نحو دائمٍ بينهما، على خلفية الملف السوري.
وإذا كان من درس ما، يمكن الاستفادة منه من نموذج تفاهمات أنقرة وموسكو هناك، أن روسيا قادرة على تفريغ أي اتفاقٍ من مضمونه رويداً رويداً، طالما أن حليفها في موقع قوة. أما في حال تراجعه وانهزامه كحال حفتر اليوم، فيمكن أن تكون أكثر مرونة. لكن المهم بالنسبة إليها، قبل أي شيء آخر، حماية مصالحها التي تحضر فيها أولويات الطاقة والقواعد العسكرية، بغض النظر عمن سيؤمنها، وهو حال معظم الدول المتدخلة في المشهد الليبي. في الحقيقة إن تشعب هذه الدول يعد أحد أبرز عوامل تأخير الحل السياسي، فالمطلوب اليوم ليس إقناع طرفي الصراع المحليين بالتوصل إلى وقف لإطلاق نار، وصيغة ما لتقاسم السلطة والثروات. المنشود فعلياً البحث عن تسويةٍ تلبي مصالح القوى الخارجية المنخرطة في الحرب الليبية، وهي مهمةٌ تبدو أكثر صعوبةً، خصوصاً في ظل العجز عن أي حسم ميداني. ما يعني حكماً أن إسكات صوت المدافع والبنادق لن يكون قريباً، فالاتصالات الدولية لا تزال في بدايتها، فضلاً عن أن الجميع ينتظر اللاعب الأبرز، أي الولايات المتحدة، والاتجاه الذي ستسلكه في ليبيا، خصوصاً أنها تعطل منذ أشهر تعيين مبعوث أممي جديد خلفاً لغسان سلامة، وتريد رسم خريطة جديدة لعمل البعثة الأممية، ما يعني أن في جعبتها رؤية تتريث في الإفصاح عنها، بانتظار أوان المفاوضات الحقيقية.