أيّ اختلاف بين إدارة بايدن والحكومة الصهيونية؟

08 يناير 2023
+ الخط -

برزت، أخيراً، بخاصة بعد تشكيل الحكومة الصهيونية الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل، نقاط اختلاف مهمة بين إدارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وأهميتها لن تغيّر جوهر السياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل، لكن بعضها يعرقل سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، ويشتّت جهودها في دمج إسرائيل في المنطقة وتثبيت هيمنتها عليها. فإدارة بايدن، كما أعلنت مراراً، لن تقدّم "مشروع تسوية" بين إسرائيل والفلسطينيين، لكنّها معنيةٌ بالحفاظ، ظاهرياً على الأقل، على الواقع على الأرض (الستاتس كو)، وعدم اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، تكون أكثر تفجّراً من الانتفاضات السابقة، وتُفسد مسار التطبيع العربي الإسرائيلي، بخاصة المشاريع الاقتصادية و"التشارك" في مصادر الطاقة وخطط ربط طرق المواصلات التي تصل إسرائيل بالعالم العربي في الأردن وعبر الأردن.

الإدارة الأميركية، وإن ركّزت في تصريحاتها على رفضها، أو على الأقل امتعاضها، من تصريحات حزب الصهيونية الجديدة، وتحرّكات وزير الأمن إيتمار بن غفير، الذي ينادي علناً بطرد كلّ الفلسطينيين، لكنها لا تتمتّع بعلاقة جيدة تماماً مع نتنياهو، وانْ كانت تتعامل معه وكأنه "أكثر اعتدالاً" من حلفائه في الحكومة، معتمدةً على كونه سياسياً، يثبت سجلّه أنّه، وإن كان لا يختلف في أهدافه، وحتى في تصريحاته، عن شركائه، فإنّه أكثر براغماتية، ولو من منطلق التكتيك والمناورة السياسية والدبلوماسية.

لعلّ أهم نقاط الاختلاف بين الإدارة الأميركية والحكومة الصهيونية الحالية تتعلق بأي محاولةٍ لتغيير وضع المسجد الأقصى، والإقدام على ضم معظم المستوطنات في الضفة الغربية، وشرعنة ما تصفها إسرائيل بـ"المستوطنات غير الشرعية" وعددها 70، ما ينسف (أو يقوّض) الاستراتيجية الأميركية في المنطقة لتأسيس حلفٍ أمنيٍّ عسكري علني، إسرائيلي عربي تحت إشراف واشنطن تقوده إسرائيل، لا ينهي القضية الفلسطينية فحسب، وإنما أيضاً ما تبقى من مفهوم الأمن القومي العربي.

عليه، نجد تحرّكات أميركية علنية وغير علنية، لعلّ أبرزها زيارة مستشار الأمني القومي الأميركي، جايك سوليفان، المزمعة إلى إسرائيل، للضغط على نتنياهو، لردع الحكومة وحزب الصهيونية الجديدة، وفقاً لمقال نشره دايفيد ماكوفيسكي في موقع معهد واشنطن للدراسات، المؤيد لإسرائيل، من المباشرة في تنفيذ أي خطواتٍ "أحادية الجانب" تجاه المسجد الأقصى أو ضم المستوطنات، خصوصاً وأن نتنياهو يؤيد تماماً شعار حزب الصهيونية الجديدة، أن لإسرائيل الحق في كل فلسطين التاريخية، وأنها ملكية "يهودية" يحقّ لإسرائيل أن تفعل بها ما تشاء.

الإدارة الأميركية تعطي أهميةً بالغةً "لشرعنة" ما كانت تصفه إسرائيل والمحكمة العليا بالمستوطنات غير الشرعية

لا بدّ من التوضيح هنا أنّ الإدارة الأميركية تعطي أهميةً بالغةً "لشرعنة" ما كانت تصفه إسرائيل والمحكمة العليا بالمستوطنات غير الشرعية، أي المُقامة خارج إطار جدار الفصل العنصري، بالرغم من أنّ كلّ المستوطنات غير شرعية وفقاً للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، لكنّ التمييز الإسرائيلي كان متعمّداً لمجاراة حديث الإدارات الأميركية عن إقامة دولة فلسطينية (ولو على شكل كيان فاقد السيادة)، بل وظّفت إسرائيل التمييز المضلّل، للتأثير على الإعلام والرأي العام الغربيين، حتى تصبح المستوطنات، غير الكتل الاستيطانية، "مجرّد أحياء يهودية" مقبولة ومشروعة، فالإدارة الأميركية معنيةٌ بعدم تغيير التصنيف "القانوني" لما تُسمّى المستوطنات غير الشرعية، وبعضها لا يتعدّى عدة مساكن تقطنها أعداد قليلة كما جرت العادة في أي توسّع استيطاني صهيوني. والقضية الأكثر أهمية محاولة وقف اقتحام الوزير بن غفير وأتباعه باحة المسجد الأقصى، خوفاً من حدوث مواجهاتٍ تؤدّي إلى حمّام دم، وبالتالي إحراج الدول العربية الموقّعة على اتفاقيات "سلام" أو تحالفات تطبيعية مع إسرائيل، وفرض تجميد تنفيذ بعض هذه الاتفاقيات، ولو مرحلياً، خوفاً من غضب الشعوب العربية.

الأهم من ذلك كله أنّ هناك قلقاً أميركياً من أن تحاول الحكومة الإسرائيلية إلغاء (أو تسمح بكسر) قرار محكمة الاستئناف الإسرائيلية، السماح لليهود بزيارة المسجد الأقصى تحت مسمّى باحة "جبل الهيكل" لكنّه "يحظُر عليهم الصلاة" في باحات المسجد أو داخله، حتى وإن كانت المحكمة الإسرائيلية تطلق على مسجد الأقصى "جبل الهيكل"، فالحفاظ على قرار هذه المحكمة والتزام الحكومة الإسرائيلية به ذو أهمية قصوى لإدارة بايدن، وأيّ مسٍّ به، وفقاً للتقديرات الأميركية، قد يشعل العالمين العربي والإسلامي بشكل غير مسبوق.

ليست هناك مصلحة أميركية لا في تفجر الوضع داخل فلسطين ولا تهديد استقرار الأردن، على الأقل في الفترة الحالية

وحتى إذا نجحت الإدارة الأميركية فترة في ردع اندفاع الأحزاب المتطرّفة الإسرائيلية، وقد يتجاوب نتنياهو البراغماتي مع الرغبة الأميركية، لكنه سيطلب من الإدارة تصعيد الضغط على السلطة الفلسطينية، وقد استبق نتنياهو الإدارة الأميركية وزيارة سوليفان بإعلان فرض عقوباتٍ على السلطة بسبب استمرار تحرّكها لمقاضاة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، وإنْ قد لا توافق الإدارة الأميركية على عقوباتٍ قد تتسبّب بانهيار السلطة الفلسطينية، لكنها ستجد وسائل ضغط وردّ قاسية على السلطة وعلى الشعب الفلسطيني.

لا يختلف الموقف الأميركي عن الإسرائيلي، بل تتحرّك واشنطن، بشكل دائم، لمنع استجابة المحكمة الجنائية لأي طلب فلسطيني رسمي أو مقدّم من مؤسسات أهلية للتحقيق في جرائم إسرائيل، فواشنطن تتعامل مع الجرائم الصهيونية كما تتعامل مع الجرائم التي ترتبها في أي منطقة، من فيتنام إلى أميركا اللاتينية والوسطى، والعراق وأفغانستان، وأي جزء من بقاع الأرض، وتسعى، بشكل دائم، إلى تحصين نفسها وإسرائيل من أي مساءلة قانونية دولية. ولكن، هناك أولوية لا تقلّ أهمية، وهي الضغط على السلطة لتصفية مجموعتي عرين الأسود وكتيبة جنين، وهذا طلبٌ صعب، فعدد من أفراد المجموعتين هم من أعضاء حركة فتح و/ أو أنصارها، ولا تستطيع لا السلطة ولا قيادة "فتح" مواجهتهما، حتى لو أرادت، لأن ذلك يعني اندلاع اقتتال فلسطيني - فلسطيني، بل اقتتال داخلي في داخل الحركة نفسها، وهذا يعني أن الإدارة الأميركية قد تتريّث في فرض ضغوطٍ قد تؤدّي إلى انهيار السلطة الفلسطينية، واللجوء إلى سياسة تقديم الجزرة والتهديد بالعصا معاً، إضافة إلى تهدئة ملك الأردن، عبد الله الثاني، الغاضب فعلياً من عبث إسرائيل بالمقدّسات الإسلامية في القدس، فهو يربط استقرار بلده، إلى درجة كبيرة، بالوضع في فلسطين والحفاظ على الأقصى. وتأخذ واشنطن، أو يجب أن تأخذ بجدية تحذيره من أنّ أيّ محاولة إسرائيلية لتغيير وضع المقدّسات في القدس والاستهتار بالوصاية الهاشمية هي تعدٍّ على خطوطٍ حُمرٍ تنقل العلاقة مع إسرائيل إلى مرحلة الصراع. وهذا التحذير هو تعبير عن قلق حقيقي على استقرار النظام والأردن، فبالرغم من شراسة الائتلاف الإسرائيلي العنصري اليميني، فالسلطة والأردن ليسا في وضعٍ ضعيفٍ، وليست هناك مصلحة أميركية لا في تفجّر الوضع داخل فلسطين ولا تهديد استقرار الأردن، على الأقل في الفترة الحالية، لكن المواجهة تحتاج قراراتٍ سياسيةً واضحة، فتعرية التطرّف العلني والفج للحكومة الصهيونية وفضحه أسهل بكثير من ادّعاءات السلام الكاذبة، التي كانت دوماً تغطي على بشاعة الجرائم الاستعمارية العنصرية الإسرائيلية.