أوميكرون وشفافية جنوب أفريقيا
لم تستغرق جنوب أفريقيا طويلاً حتى تعلن عن رصد متحوّر جديد من كورونا قبل أسابيع. سواء ظهر المتحوّر الذي أطلق عليه اسم أوميكرون على أراضيها أول مرة، أو في الولايات المتحدة كما بدأت تقارير تشير في الأيام الماضية، فتلك ليست المسألة. تعاطت جنوب أفريقيا بمسؤولية مع المتغيرات التي ظهرت لديها، سارعت إلى الإعلان عمّا تعرفه، مانحةً منظمة الصحة العالمية والدول كافة بلا أي تمييز الفرصة الكافية للتحرّك وأخذ الاحتياطات اللازمة إن رأت ضرورة لذلك.
تعجّلت دولٌ عديدة في إغلاق الحدود بوجه الوافدين من العواصم الأفريقية على وجه الخصوص، نُظِر إليه أنه غير ضروري، بل ويحمل في طياته عقاباً بلا مبرّر، كما أعاد الجدل حول عدم المساواة في توزيع اللقاحات، وكيف أن الدول الغنية استأثرت بنفسها بالجزء الأكبر من اللقاحات، بينما تركت الدول الفقيرة لتجاهد لتأمين اللقاحات، وكيف أن ذلك ينعكس على الغرب نتيجة هذه السياسات، مهما حاول تصوّر العكس أو ادّعاءه.
لكن الأهم أنه أعاد التذكير بخطورة ما قامت به الصين، عندما رصدت فيروس كورونا. على النقيض من جنوب أفريقيا، تستّرت الصين وقتا طويلا على ما يجري داخل حدودها. فضلت إعلاء حساباتها السياسية والاقتصادية على أي شيء آخر. بالنسبة إليها، تدار الأمور من الأهم إلى المهم فالأقل أهمية، حتى أنها لم تتردّد لحظة في اعتقال من تجرأوا على فضح الحقيقة، بعدما فرضت ستاراً حديدياً من الرقابة لمنع تسرّب خبر وجود وباء منتشر. ولولا أن الأمر لم يعد قابلاً للإخفاء لما كانت قد اضطرت إلى الإعلان عن التفشّي، لكن ذلك لم يردعها عن الاستمرار في المسار نفسه، والانتقال إلى مرحلة أخرى من تضليل العالم بشأن خطورة الوباء وأعداد الوفيات التي يتسبّب بها، قبل أن ينكشف الأمر مع انهيار القطاعات الصحية في بلدانٍ عديدة جرّاء الإصابات والوفيات بسبب الوباء، وبدء إجراء مقارنات بين الأعداد المعلنة في الصين وباقي الدول. ثم تكفّلت تحقيقات صحافية في كشف المستور عن عدد ضحايا الوباء في الصين.
ليس من المبالغة القول إن العالم مدينٌ اليوم لجنوب أفريقيا، حتى بعدما تبيّن أن المتحوّر الجديد ليس بالخطورة المتصوّرة مقارنة بـ"دلتا". على الأقل، إنها تصرّفت بمسؤولية تامة، ليس فقط تجاه مواطنيها، بل العالم أجمع، فعلت ما يجب عليها لتجنّب تكرار سيناريو ما حدث قبل عامين. ببساطة، كانت جنوب أفريقيا واضحة: لست الصين ولا أريد أن أكون مثلها بعد كل ما تسبّبت به، أصبحت نموذجاً معيباً لا يجوز الاقتداء به في إدارة الأزمات. .. والعالم يدفع، منذ أواخر 2019، ثمن اللامسؤولية التي اتسم بها تعاطي الصين مع انتشار الفيروس، وحرمانها دول العالم من الحق البديهي في معرفة ما ينتظرها.
لن تعود الحياة إلى ما كانت عليه قبل ديسمبر/ كانون الأول 2019، أقلّه لسنوات عديدة مقبلة. جميع مظاهر الحياة أصبحت عرضةً للتأثيرات والتقلبات السريعة. من الاقتصاد وهشاشته، العمل عن بعد ومتطلباته، العلاقات الاجتماعية وتحولاتها. كما تغيّرت مفاهيم عدة، سواء في ما يتعلق بالقطاع الطبي ومدى جهوزيته في وقت الأزمات الكبرى، الأوبئة وخطورتها، التطعيم وأهميته، لكن الأكثر أهمية عودة التذكير باللاعدالة السائدة، وكيف يمكن أن ينقسم العالم في لحظة بين فئة مختارة وناجية تستحوذ على اللقاحات وبما يفيض عن حاجتها، وأخرى مهملة ومنسية متروكة لمصيرها.