أوباما أمام سيفٍ ذي حدّين

21 يونيو 2014
+ الخط -
لم يكن رئيس مجلس العلاقات الخارجية والكاتب الأميركي، ريتشارد هاس، وحده المتشائم لتطور الأحداث في العراق، وهو الذي اعتبر أن الدبلوماسية تأخرت، وأن الغارات الأميركية، إذا ما أخذ القرار بشأنها، لن تستطيع أن تغيّر الواقع، نظراً إلى تعقيدات الأرض والتداخل. وذهب بعيداً في القول إن الشرق الأوسط يتغيّر، والخرائط تتغيّر، مع غياب الحدود، كما حصل بين سورية والعراق، من خلال سيطرة تنظيم داعش عليها، وبالتالي، علينا أن ندعم مناطق الاستقرار كالخليج والأردن وأفغانستان وبعض باكستان. يتردد هذا الكلام كثيراً، في هذه الأيام في واشنطن، حيث يرى مراقبون عديدون أن لا جدوى من الدخول مجدداً في تعقيدات المشهد العراقي، خصوصاً أن ما يحصل بعيد عن المصالح الأميركية، يقابله حماس جمهوري، بالدعوة إلى التحرك مباشرة، إضافة إلى تحميل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مسؤولية ما يحصل، نتيجة سحب القوات الأميركية بشكل كامل من العراق، وخضوعه لشرط رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، عدم ترك وحدات استخباراتية وأمنية على الأرض، وهو شرط اعتبره المراقبون إيرانياً.
الحملة الجمهورية التي يقودها السيناتور جون ماكين، ودعا أوباما فيها إلى طرد فريقه في الأمن القومي، شاركه فيها عديدون ممّن أعادوا النقاش إلى الموقف من غزو العراق في العام 2003 وتداعياته، بعدما أدى إلى مقتل 4477 أميركياً، وتم صرف 25 مليار دولار لتدريب 930 ألف جندي عراقي، وهو موقف أعلنت وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة المحتملة للرئاسة في العام 2016، هيلاري كلينتون، تراجعها عن دعمه، معتبرة أنها أخطأت بتأييده آنذاك. وقد حمّل السفير الأميركي السابق في العراق، رايان كروكر، وهو مَن طالب ماكين بعودته إلى العراق، المالكي مسؤولية الفشل في جمع العراقيين، وخصوصاً السنّة، وأيّد عملاً دبلوماسياً يؤدي إلى تفاوض سياسي، لمواجهة أي تهديد بحرب أهلية سنية ـ شيعية، مع عدم ممانعته غارات جوية على مواقع محددة، من دون أن تكون لها تأثيرات جانبية.
ويبدو أن موضوع العراق أعاد المرشح الجمهوري السابق، ميت رومني، والذي غاب عن الإعلام فترة طويلة، إلى الواجهة، ليوجه انتقاداً الى الرئيس أوباما، وقال رداً على سؤال: "ما الذي يستحق لنقاتل من أجله في العراق؟"، بقوله: "دفاعاً عن الحرية"، ويتبعها بانتقادات لسياسة أوباما بعدم تركه جنوداً في بغداد.
النقاش الدائر في العاصمة الأميركية قبيل اتخاذ أوباما قراره، أعاد طرح الأسئلة المتعلقة بمصلحة واشنطن في خوض أي مغامرة جديدة في منطقة متجهةٍ إلى حرب أهلية طويلة، وهو ما عبّر عنه صراحة المعارض البارز لحرب العراق منذ البداية، والمسؤول الأول عن مكافحة الإرهاب في عهدي بيل كلينتون وجورج دبليو بوش، ريتشارد كلارك، والذي أعاد التأكيد اليوم: "لا تتدخلوا"، لأن ذلك يعني أن الإدارة الأميركية تتدخل لصالح طرف ضد آخر، لأن هناك تعاطفاً من البيئة السنية في المناطق التي توجد فيها داعش، وهي نتيجة عوامل عدة، منها فشل نوري المالكي في تكوين سلطة موحدة بين السنة والشيعة، ومنها أيضا فشله في تكوين قيادة قوية للجيش العراقي، ما أدى إلى هرب بعض العسكريين، وتخليهم عن عتادهم، كما إحساس الجنود السنة بعدم الولاء لقيادتهم الشيعية.
الضجيج الإعلامي بشأن العراق لم يهدأ، ويبدو أن الرئيس أوباما، الذي بدا واضحاً في قوله إنه لن يخوض الحرب عن المالكي، لن يكون خياره سهلاً، على الرغم من دعوته مجلس الأمن القومي لوضع الاقتراحات أمامه، وهو أمام سيف ذي حدين في أي خيار، لأن التدخل بغارات جوية أو بدعم للمالكي وجيشه، لن ينهي المعركة، ما يعني، بالضرورة، عودة التورط في العراق، ولو من دون جنود على الأرض.