أن تؤدّي مناهضة التطبيع في المغرب إلى السجن

08 مايو 2024

مغاربة في مظاهرة لدعم غزّة وفلسطين وضدّ التطبيع في الرباط (11/2/2024/الأناضول)

+ الخط -

بعيداً عن أضواء وسائل الإعلام الكبيرة، يمرّ المغرب بفترة غير عادية من الاضطرابات بسبب الأحداث في غزّة، وكلما ارتفعت وثيرة العدوان الصهيوني ترتفع وتيرة الغضب في الشارع المغربي، ويرتفع حرج السلطة المغربية التي تتمسّك بعلاقاتها مع إسرائيل، ما ينتج فجوة تكبُر مع مرور الوقت بين السلطة والشارع الغاضب بشأن الموقف من العدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين، والواقع أن أغلبية الشعب المغربي، الذي يتعاطف تقليدياً مع الشعب الفلسطيني، أعربت مراراً وتكراراً عن سخطها في الشوارع عدة أشهر خلال المظاهرات التي تعمل السلطة من أجل احتوائها. مكمن القلق هو الفجوة التي تزداد اتساعا بين مشاعر أغلبية الشعب والموقف الغامض للسلطات التي فرضت بقرار أحادي ومن أعلى سلطة في البلد على الحكومة والبرلمان وعلى الشعب إقامة علاقات دبلوماسية مع دولة إسرائيل. ولاحتواء هذه الفجوة، صدر قبل أيام موقف مغربي رسمي يعتبر الأكثر وضوحا وصرامة في انتقاد العدوان الإسرائيلي، عن العاهل المغربي محمد السادس بصفته رئيس لجنة القدس، بمناسبة القمة الخامسة عشرة لمنظمّة التعاون الإسلامي المنعقدة يومي 4 و5 مايو/ أيار الجاري في العاصمة الغامبية بانغول، وصف فيه، لأول مرة، الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين بـ "العدوان الغاشم غير المسبوق"، كما وصف ما يجري في غزّة بأنه "تهجير قسري وعقاب جماعي وأعمال انتقامية" يتعرّض لها الفلسطينيون، وذلك خلافا لبيانات الخارجية المغربية التي كانت تتحدّث عن "اعتداءات" و"أعمال عنف" تساوي بين الضحية والجلاد!

لكن، ومع استمرار الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزّة، ما زالت السلطة المغربية تجد فيها في موقفٍ جد حرج، لا تحسُد عليه، ما بين المحافظة على علاقاتها مع الكيان الصهيوني الذي تربطه معها اتفاقات تطبيع منذ عام 2020، وما بين مراعاة مشاعر القاعدة العريضة من الشعب المغربي المؤيدة تاريخيّا للقضية الفلسطينية، والتي تخرُج باستمرار في مسيراتٍ شعبية تطالب الدولة المغربية بوقف كل أشكال التطبيع مع إسرائيل. وكلما طال أمد الحرب على غزّة، وارتفعت حصيلة ضحاياها من الفلسطينيين ترتفع حدّة الضغط على السلطة المغربية من الشارع الذي لم يتوقّف عن التظاهر، على الرغم من ضعف التعبئة الشعبية مقارنة مع الأيام الأولى للحرب، من دون أن يعني هذا تراجعا في زخم التعاطف الشعبي الكبير الذي يكنه المغاربة للقضية الفلسطينية، وهذا ما تعيه السلطات المغربية وتحاول احتواءه باتخاذ مبادرات سياسية خجولة، مثل بيانات التنديد بالجرائم الإسرائيلية أو تقديم مساعدات محدودة إلى سكان غزّة. وفي المقابل، تُبدي السلطات نفسها صرامة، حسب ما تمليه عليها مصالحها، لتوجيه رسائل واضحة إلى معارضي اتفاقات التطبيع مع إسرائيل بأنها ماضية في تطبيعها مهما كلفها ذلك من ثمن، في نوع من العناد والإصرار غير المفهومين، ما يدفع مراقبين كثيرين إلى التساؤل عما إذا كانت هناك اتفاقات أو التزامات غير معلنة بين السلطات المغربية والكيان الصهيوني تجعلها عاجزةً عن التراجع عن تلك الاتفاقات المشؤومة التي فرضها القصر على الشعب من دون مراعاة مشاعر أغلبية المغاربة الذين يخرجون اليوم في مظاهراتٍ حاشدة، هي استفتاءات شعبية، في أكثر من مدينة مغربية للتعبير عن رفضهم لها.

كلما طال أمد الحرب على غزّة، وارتفعت حصيلة ضحاياها من الفلسطينيين ترتفع حدّة الضغط على السلطة المغربية من الشارع الذي لم يتوقف عن التظاهر

وفي سياق تضارب مواقف السلطات المغربية ما بين سعيها إلى احتواء غضب الشارع، وفي الوقت نفسه، السماح للتظاهر لتجنّب الانفجار، فإن أي فعل لمناهضة التطبيع يصبح مشوبا بمخاطر كثيرة قد يعرّض صاحبه للمنع أو يودي به إلى السجن كما هو الحال مع المدوّن سعيد بوكيوض، الذي حكم عليه بالسجن النافذ خمس سنوات بسبب منشورات على "فيسبوك" ينتقد فيها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما حكم على زميلة المدوّن عبد الرحمن زنكاض بالمدة نفسها، وأيضا بسبب تدوينات ينتقد فيها التطبيع، وتجري حالياً محاكمة ناشط آخر مناهض للتطبيع هو مصطفى دكار، الذي يتابع في حالة اعتقال بسبب نشره تدوينات تنتقد التطبيع. وينتمي الثلاثة إلى جماعة العدل والإحسان التي تعد أكبر جماعة إسلامية في المغرب، وهي التي تقف وراء المظاهرات الكبيرة التي تخرج باستمرار في مدن مغربية عديدة للتنديد بالحرب على غزّة. لذلك قرأ كثيرون في تلك المحاكمات رسائل من السلطات المغربية إلى الجماعة، ومن خلالها إلى كل المناهضين للتطبيع من أجل إخراس الأصوات الرافضة لاستمراره، ولم يستثن ذلك حتى الأصوات المحسوبة على التيارات اليسارية أو المستقلّة، سواء من خلال المنع الذي تتعرّض له بعض الفعاليات أو المحاكمة التي ما يخضع لها 13 ناشطا من اليساريين والمستقلين، يتابعون في حالة سراح، بسبب مشاركتهم في فعالية ضد التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني.

مثل مثيلاتها في دول عربية كثيرة، لا تخفي السلطات المغربية خشيتها من تطوّرات الحرب على غزّة وتداعياتها على الوضع في بلدانها، وكثير من حكومات هذه الدول، بما فيها المغربية، تُبدي تخوّفها من التحوّلات الكبيرة التي تصنعها هذه الحرب يوميا في الرأي العام العالمي الشعبي، مع تصاعد موجات الغضب في أوساط الشباب الغربي داخل الجامعات وامتدادها داخل المجتمعات الغربية. وفي الحالات العربية، الخوف متضاعف، لأن الحكومات تدرك أن الحرب في غزّة، بكل تداعياتها، أعادت إحياء مشروع الإسلام السياسي الذي حاولت الثورات المضادّة في زمن الربيع العربي إجهاضه، وهذا ما سبق أن كشف عنه، في بداية العدوان الإسرائيلي على غزّة، الدبلوماسي الأميركي السابق دينيس روس، الذي قال إن رغبة قادة عرب، قابلهم، هي تدمير حركة حماس، لأن أي انتصار لها، ولو معنويا، سيغذّي أيديولوجية الرفض داخل بلدانهم. وهو الموقف نفسه الذي كشف عنه، أخيراً، مالكولم هونلين، نائب الرئيس الفخري لمؤتمر رؤساء المنظمّات اليهودية الأميركية الكبرى، الذي قال إن كل زعيم عربي تحدّث إليه يقول له "اهلكوا حماس دمّروهم!". فما بين محاولات احتواء مشاعر شعوبها والحفاظ على مصالحها، فإن أنظمة عربية تعيش أتعس أيامها قلبها مع عروشها وسيوفها على كل ما يهدّدها حتى لو كان انتصاراً معنويا لحركة مقاومة، من شأنه أن يبعث الأمل من جديد في إرادة الشعوب عندما تريد أن تقرّر مصيرها بنفسها.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).