أميركا تستنطق أمجد ناصر

03 أكتوبر 2014

أمجد ناصر .. ممنوع من دخول أميركا

+ الخط -

أعرف زميلي في "العربي الجديد"، الشاعر أمجد ناصر، صديقاً منذ نيفٍ وعشرين عاماً، لم تنقطع فيها لقاءاتنا، ولا ضَعُف التواصل بيننا. ولم يحدث، مرّةً، أنني لمحتُ في أمجد أَماراتٍ تهدّد المصالح الأميركية في العالم، ولم أَلحظ يوماً أَنه يُضمر نوايا شرٍّ للمواطنين الأميركيين. هو، كما أي شاعرٍ، منحازٍ للحقِّ والحرية والعدالة والجمال، على خصومةٍ بديهيةٍ مع سياسات الولايات المتحدة، ولا سيما بشأن دعمها إسرائيل. وفي موقفه هذا (التقليدي ربما)، لا يصدر، عن مطرحٍ يساريٍّ يقيم فيه منذ يفاعته فحسب، وإنما هي السياسات الأميركية نفسها لا تنفكُّ تقدم أسباب السخط منها.
لم ينقطع الشاعر والكاتب الأردني المعروف إلى مناوأة (أو منافحة؟) أميركا، فلم يرتحل إلى التوباماروس في الأوروغواي، ولا إلى الجيش الأحمر الياباني، ولا فتّش في أصقاع الأرض عن جيفاريين وذوي بيارق حمراء، ليتصدّى، معهم، للإمبريالية الأميركية (وأذنابها الرجعيين)، إبّان كانت لأولئك وأترابهم جاذبيتهم، قبل أن تستجدّ "القاعدة" و"حركة الشباب الصومالية" و"جبهة النصرة" ودواعش أخرى بغيضة، لم يوّفرها أمجد ناصر لعناً وتأشيراً إلى جرائمها، لا مداهنةً لأميركا، ولا انضواءً منه في معادلة حربها الخرقاء على الإرهاب، وإنما هو السمتُ الديمقراطي والمدني الذي فيه، كما أي مثقفٍ يرى أَنّ عليه واجباً أخلاقياً تجاه المجتمع الإنساني الذي يمكث بين ظهرانيه.
كل الذي اقترفه زميلنا أنه، بموجب خياره ومهنته كاتباً وصحافياً، كتب كثيراً عن الأذى الوفير الذي تحدثه أميركا في بلادنا. وإذا كان قد انتسب، قبل عقود، (يتقدم الآن إلى الستين)، إبّان مقطع بيروتيٍّ في سيرته، إلى تنظيم فلسطيني يساري، فذلك لم يعنِ، في حينه، ولا يعني في أي وقت، عداءً لدى صديقنا تجاه الشعب الأميركي، وأحسبُ أنه على إعجابٍ بهذا الشعب الذي منح البشرية منجزاتٍ باهرةً في العلوم والتكنولوجيا والصناعة والسينما، مثلاً.
مناسبة دس صاحب هذه السطور أَنفه في العلاقة بين زميلنا وأميركا، أن الأخيرة استنطقت ناصر، وهو البريطاني الجنسية (عدا عن أرومته الأردنية)، في مطار هيثرو، نحو ساعتين، وكان مدعواً للمشاركة في أمسيةٍ شعرية له في جامعة نيويورك. استجوبه موظف أمنٍ أميركي، عن أصله وفصله ولون شعره وعمله وسيرته وأسرته، من هاتف خاص، وأمام موظفٍ بريطاني في المطار، ثم أبلغه منعه من ركوب الطائرة إلى نيويورك. ومن أوجه عجبٍ غزيرةٍ في الواقعة أنها تعرّفنا بأن لجهاز أمني استخباري أميركي حقاً سيادياً في مطار بريطاني. أقامت جامعة نيويورك أمسية صديقنا بتقنية السكايب، وحضرها جمهور كثير، وستثير منع قدوم ضيفها على "نادي القلم الأميركي"، باعتبار القضية تمس حرية التعبير. وإذ صار شاعرنا يعرِف أنه أحد نحو مليون آدمي، بينهم نجوم ومشاهير، ممنوعون من دخول أميركا، فإن الأمر لن يبعث على زهوه بذلك، لأنه يدل على وجهٍ آخر قبيح للمنظومة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة، وهي التي لم تُجز دخول غابرييل ماركيز إلا بعد (وساطة) بيل كلينتون، ولم تعط محمود درويش تأشيرة دخول، لإجراء العملية الجراحية التي توفي فيها، إلا بعد (توسط) محمود عباس لدى كوندوليزا رايس (!).
.. حدث أنني كنت، مع زميل آخر، في استقبال الشاعر السوري، ممدوح عدوان، في مطار عمّان، في صيف 1985، وكان مدعواً لمهرجان جرش. احتجز أمن المطار جواز سفره، وطلب منه مراجعة دائرة المخابرات العامة. وفي الفندق، أصر على أن يؤتى له بجواز سفره، فليس من حق المخابرات الأردنية استجوابه في مقرها. وبعد اتصالاتٍ مع جهاتٍ عليا، جيء بجواز السفر إليه، ثم شارك في أمسيةٍ شعريةٍ بهيجة بين أعمدة جرش. كان ذلك إبّان أحكامٍ عرفيةٍ في الأردن، وحرياتٍ منقوصة. .. هل من شاهدٍ يصل تلك القصة بفعلة أميركا مع أمجد ناصر؟

 

دلالات
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.