09 نوفمبر 2024
أصوات من اليونان
اسمان من اليونان أطلا كثيراً في الأخبار، في الأسبوع المنصرف، ديميس روسوس وأليكسيس تسيبراس. الأول لوفاته، والثاني لترؤسه حكومة جديدة. انتبهنا، نحن العرب، إليهما، وجعلانا نفطن إلى أن بلداً أوروبياً جاراً لنا اسمه اليونان. روسوس هو المغني العالمي، وحاز شهرةً عريضة بيننا، وإعجاباً واسعاً منّا به، لا سيما في السبعينيات والثمانينيات. أما تسيبراس، فللتوّ بدأنا نقلب أرشيفه، ونتدرّب على نطق اسمه، ونندهش من صغر سنه (40 عاماً)، إذ يتزعّم حركةً ينتخبها اليونانيون، فيتأهل للحكم. لم نكن لنكترث لأمرٍ كهذا، في بلدٍ لا تؤرقنا شؤونه، لولا مطالعتنا عن هذا الشاب أنه مناهض جداً لإسرائيل، ويعارض العلاقات العسكرية اليونانية معها، وتصنّفه أوساط صهيونية معادياً للسامية، وأنه سافر إلى غزة في إحدى سفن كسر الحصار في 2010. وشخصٌ في مثل هذه السجايا التي لا يحوزها رؤساء عرب، لا بد أن نمحضَه شعوراً محبّاً، وأن نشتهي له التوفيق في سعيه إلى حل قضية القضايا في بلده، أي ديونها، وهو اليساري الراديكالي، والذي لا يرتدي ربطة العنق، ويناوئ السياسات المالية الرأسمالية.
هو سياسي يوناني صديق لفلسطين، إذن، كما كان مواطنه المغني الجذّاب، ديميس روسوس، والذي أشهر مواقف شجاعة ضد إسرائيل، وضد الاحتلال الأميركي في العراق، وأحيا حفلةً في التسعينيات في صور، تحيةً للبنانيين في الجنوب المقاوم والصامد. وكان يحرص على إحياء حفلات في بغداد وبيروت والقاهرة والدوحة وغيرها، منذ شبابه، بلحيته وشعره المرسل، الأسود ثم الأشيب، وبالقفطان دائماً، وهو الضخم الجسم، وبالأغنيات والإيقاعات الوديعة الرائقة. ومعلومٌ أنه مصري المولد، واسكندراني الطفولة، وطالما تحدّث عن جانبٍ عربي في نشأته.
سلالةٌ طويلة بين أهل الفن والسياسة والأدب اليونانيين، يناصروننا. يُيسّر وداعنا الشفيف ديميس روسوس مغني "فار أواي"، الأغنية الأبقى فينا من جميل أغنياته، وكذا إطلالة اليساري، ألكسيس تسيبراس، المستجدّة على المشهد الأوروبي، يُيسران مناسبةً لاستدعاء بعض أعلام هذه السلالة النظيفة إلى هذا المطرح. منهم الشاعر، ستاماتيس بوليناكيس، الذي دلّت صيحته على شخصه مثقفاً محترماً، لمّا قال، إبّان العدوان على قطاع غزة، في 2008، إن عمليات القتل والقصف التي ترتكبها إسرائيل تصرفٌ حيوانيٌّ، يستدعي جرائم النازية ضد ضحاياها. كما صيحة السينمائي والكاتب، يورغوس كاريبيدس، والذي عدَّ الفلسطينيين أقرباء اليونانيين، وقال إنهم يتعرضون لإبادةٍ منهجية من إسرائيل، التي شابَهها بمستشفى كبير للأمراض العصبية، واعتبر جيشَها "أكاديمية سفاحين". ولا يُغفل الموسيقي ميكيس ثيودوراكيس الذي غنّى لفلسطين وللثورات ولبيروت، وكثيراً ما أحيا حفلاته وهو يضع الكوفية الفلسطينية على كتفيه، وقد نعتَ إسرائيل بأنها أساس السوء في العالم. وعُرف بمناصرته قضايا التحرر ضد الاستبداد، وعارض الحرب على العراق. أما الشاعر الباهر، يانيس ريتسوس، والذي أحدث تأثيراً ظاهراً في تجارب بارزة في القصيدة العربية الحديثة، فقد أعلن يقينه بانتصار فلسطين، وانحاز إليها، وإلى كل ثورةٍ ضد أي استبداد، وكل شعب يتطلع إلى الحرية، وناهض الديكتاتوريات العسكرية.
لم يكن هؤلاء اليونانيون الجميلون (وغيرهم) مع فلسطين وضد إسرائيل، إلا لأنهم مع الجمال والحب. وبلادهم موئل أصنافٍ من الآلهة لكل جمال وحب، وأصنافٍ من أساطير أخذت الإنسان، في قديمِه، إلى الخيال الكاشف، والباحث عن الجمال والحب... بديعةٌ قصائد ريتسوس وأغاني روسوس وموسيقى ثيودوراكيس، وبديع من تسيبراس أنّه غافلنا، وجعلنا نسأل بشأن اليونان، عن يسارها ويمينها وديونها.
هو سياسي يوناني صديق لفلسطين، إذن، كما كان مواطنه المغني الجذّاب، ديميس روسوس، والذي أشهر مواقف شجاعة ضد إسرائيل، وضد الاحتلال الأميركي في العراق، وأحيا حفلةً في التسعينيات في صور، تحيةً للبنانيين في الجنوب المقاوم والصامد. وكان يحرص على إحياء حفلات في بغداد وبيروت والقاهرة والدوحة وغيرها، منذ شبابه، بلحيته وشعره المرسل، الأسود ثم الأشيب، وبالقفطان دائماً، وهو الضخم الجسم، وبالأغنيات والإيقاعات الوديعة الرائقة. ومعلومٌ أنه مصري المولد، واسكندراني الطفولة، وطالما تحدّث عن جانبٍ عربي في نشأته.
سلالةٌ طويلة بين أهل الفن والسياسة والأدب اليونانيين، يناصروننا. يُيسّر وداعنا الشفيف ديميس روسوس مغني "فار أواي"، الأغنية الأبقى فينا من جميل أغنياته، وكذا إطلالة اليساري، ألكسيس تسيبراس، المستجدّة على المشهد الأوروبي، يُيسران مناسبةً لاستدعاء بعض أعلام هذه السلالة النظيفة إلى هذا المطرح. منهم الشاعر، ستاماتيس بوليناكيس، الذي دلّت صيحته على شخصه مثقفاً محترماً، لمّا قال، إبّان العدوان على قطاع غزة، في 2008، إن عمليات القتل والقصف التي ترتكبها إسرائيل تصرفٌ حيوانيٌّ، يستدعي جرائم النازية ضد ضحاياها. كما صيحة السينمائي والكاتب، يورغوس كاريبيدس، والذي عدَّ الفلسطينيين أقرباء اليونانيين، وقال إنهم يتعرضون لإبادةٍ منهجية من إسرائيل، التي شابَهها بمستشفى كبير للأمراض العصبية، واعتبر جيشَها "أكاديمية سفاحين". ولا يُغفل الموسيقي ميكيس ثيودوراكيس الذي غنّى لفلسطين وللثورات ولبيروت، وكثيراً ما أحيا حفلاته وهو يضع الكوفية الفلسطينية على كتفيه، وقد نعتَ إسرائيل بأنها أساس السوء في العالم. وعُرف بمناصرته قضايا التحرر ضد الاستبداد، وعارض الحرب على العراق. أما الشاعر الباهر، يانيس ريتسوس، والذي أحدث تأثيراً ظاهراً في تجارب بارزة في القصيدة العربية الحديثة، فقد أعلن يقينه بانتصار فلسطين، وانحاز إليها، وإلى كل ثورةٍ ضد أي استبداد، وكل شعب يتطلع إلى الحرية، وناهض الديكتاتوريات العسكرية.
لم يكن هؤلاء اليونانيون الجميلون (وغيرهم) مع فلسطين وضد إسرائيل، إلا لأنهم مع الجمال والحب. وبلادهم موئل أصنافٍ من الآلهة لكل جمال وحب، وأصنافٍ من أساطير أخذت الإنسان، في قديمِه، إلى الخيال الكاشف، والباحث عن الجمال والحب... بديعةٌ قصائد ريتسوس وأغاني روسوس وموسيقى ثيودوراكيس، وبديع من تسيبراس أنّه غافلنا، وجعلنا نسأل بشأن اليونان، عن يسارها ويمينها وديونها.