أصحاب ولا أعزّ .. أم لا؟

01 فبراير 2022
+ الخط -

المجتمع في يدٍ غير أمينة، وثمّة من يتربّص بنا، بديننا، وأخلاقنا، وقيمنا، وثقافتنا، وخصوصيتنا. هذا باختصار هو لسان الحال، وأحياناً المقال، في ردود الفعل، الأعلى صوتاً، على أيّ حدثٍ ينطلق أصحابه من وجهة نظر مغايرة، أو تبدو كذلك، فيلم، مقال، تصريح أو حتى رأي ديني من شيخ الأزهر أو دار الإفتاء. وقد رأينا آلاف التعليقات التي تتهم المؤسسات الدينية وشيوخها وعلماءها في دينهم وعلمهم ونياتهم لمجرّد الدعوة إلى تهنئة المسيحيين بأعيادهم، الأمر الذي وصل إلى "مينشن" لوعاظ "فيسبوك" ومشايخ "الترند" ليردّوا على شيخ الأزهر ويعرّفوه غلطه.
يبدو معظم المحافظين (عساكر وإسلاميين حركيين) أكثر مرونةً وتساهلاً مع ما يرونها أخطاء وتجاوزات، أو حتى جرائم أخلاقية وسياسية، إذا جاءت وهم يحكمون، ففي المستقبل القريب أو البعيد، أو الذي لن يأتي أبداً، متّسع للوعود والأماني المثالية، سوف نمرّر اليوم، ونمنع غداً، بالتدريج، خطوة خطوة، بعد أن يتهيأ الجو والمناخ. والشاهد أنّ السلطة تبرّر وتمرّر ما لا يبرّره أو يمرّره غيرها، هاتِ السلطة وافعل بعدها ما تشاء وسوف نسامحك، ندعم الحريات التي لا تتعارض مع سلطتنا، أو التي تبرّر استمرارها، ثم ننقلب إلى وحوش الفضيلة، وأسود القيم والأخلاق والخصوصيات إذا ذهبت السلطة، يفعلها العساكر ويفعلها "الإخوان"، وقد يفعلها غيرهما إذا وصلوا إلى السلطة. السؤال هنا: لماذا ينساق لهم من شاركونا حلم يناير، ونزلوا من أجل دولة ديمقراطية، لماذا يصطفّ معهم من تكبّدوا آلام الفقد والسجن والتشريد ولا يزالون؟ تبدو الصورة هنا غير واضحة بين الانتماء لدين أو قيمة والتبشير بها والانتصار لها والدفاع عنها، وفق سنن التدافع، وبين محاولة فرض الأفكار بسلطة الدولة، ومنع غيرها بعصاها، أو بالسبّ والشتم والوصم الاجتماعي والخوض في أعراض المخالفين والتشنيع عليهم وتجريسهم.
تابعت النقاشات التي دارت حول فيلم "أصحاب ولا أعزّ". ثمّة كلام كثير يمكن قوله عن الفيلم من الناحية الفنية، إلّا أنّ جدالات السواد الأعظم سبقت إلى مساحات أخطر، ولا يعني الانشغال بالأقل خطراً، الآن، سوى رفاهية غير متاحة، نواجه مطالبات للدولة بالمنع ومعاقبة الفنانين، لأنّهم يطرحون أفكاراً ورؤى لا تتسق مع ما يتصوّره آخرون أنّه، وحده لا شريك له، يمثل ثقافة المجتمع وقيمه. والحال أنّ مطالبات المنع تتسق مع من يرون الدولة أداتهم لإخضاع المجتمع على رؤية واحدة ومفاهيم واحدة، مثل الزيّ الموحد في الجيش أو الشرطة، تديّن واحد، ووطنية واحدة، وموقف واحد وحزب واحد، والآخرون بالضرورة متّهمون. أما "يناير" فقد استهدفت دولةً أخرى، ليست مثالية فلا تصوّر مثالياً، ولا دولة، ولا فكرة، ولا شيء أبداً مثالياً، لكلّ تصوّر مكتسباته، وفواتيره. ثمّة دولة قائمة قرّرت أن تستمتع باستحقاقات الاستبداد، وأن تدفع فواتيره، وأخرى مأمولة، وممكنة، أراد أصحابها (ثوار يناير) مكتسبات الحرية، مع الاستعداد الكامل لتحمّل ضرائبها، ودفع فواتيرها، فهي، مهما غلت، أجدى نفعاً وقيمةً للجميع، ما يعني أن تدير الدولة الخلاف بين الجميع، لا أن تكون مع طرفٍ ضد آخر، بزعم أنّه الطرف الذي "يمثلنا"... لسنا "واحداً" ولن نكون. ولا يعني شرط الديمقراطية سوى القبول بأكثر المختلفين معنا وأبعدهم عنا في الاعتقاد والسلوك، والنضال معهم لانتزاع حقهم في الوجود، والتبشير بأفكارهم، والجدال عنها، من دون منع أو وصم. ليكن الفيلم كما تراه وأكثر، رغم غياب دقّة النظر، هنا، و"غشومية" التقييم، لكنّ السماح به (مع الاختلاف)، يعني السماح للجميع، ومنعه يعني إمكانية منع الجميع، أو وجوبه. القبول يمنح معارضتنا أنظمة الاستبداد وجاهتها، والمنع يجعلنا والنظام سواء، فلماذا نعارض عبد الفتاح السيسي أو نرفض ممارساته، وهو الذي يفعل ما يفعل (كلّ ما يفعل) لحماية ما يتصوّر أنّه "الحق" من أول القتل لوجه الدولة إلى تجريم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان الغربية المستوردة، التي لا تتسق مع خصوصيتنا؟ سؤال "أصحاب ولا أعز" واضح، ويحتاج إلى إجابة واضحة: أيّ دولة نريد... دولة الجميع أم دولة السيسي؟