أشبهت نايًا على عود
صنّف أبو الفرج الأصفهاني موسوعاتٍ عدة، منها كتاب أيام العرب، وعدّ منها 1700 يوم! وكان كاتب السطور يظنُّ أنَّ للعرب طروادة واحدة، فإذا كل معركةٍ طروادة، أما هيلين العرب، إن كان لهم هيلين، فهي الحرية، وقد نجدها امرأةً حسناء مثل عبلة، أو هند الهنود، أو فرسًا مثل الغبراء، أو ناقة مثل البسوس. ومن أيام العرب يوم "تحلاق اللمم"، وقد تكرّر في شعفاط بالأمس، عندما حلق شباب شعفاط لممهم وشعورَهم حجًا إلى الخير، وسترًا للفدائي الفلسطيني عدي التميمي حليق الرأس، فالتاريخ يتكرّر مثل فصول السنة، وأيام الأسبوع.
قال الحارث بن عبّاد للحارث بن همّام: هل تطيعني فيما أشير به عليك؟ قال: نعم، فقال: تعطون كل امرأة من نسائكم، هراوة، وقربة ماء، وتجعلونهن خلفكم إذا اصطففتم للحرب، وتحلقون رؤوسَكم علامة لهن. فإذا جُرح رجلٌ منكم عرفنه بتلك العلامة، فأقبلن عليه يسقينه، ويأخذن بيده، وإذا مررْن بجريحٍ من الأعداء، ضربنه بالخشب فقتلنه، وقد وقع في يوم اليرموك مثله. اتخذ البكريون حلاقة الرأس علامة تعارُف، أما شباب شعفاط، فحلقوا رؤوسهم صفرًا تضليلًا للعدو وسترًا لعدي التميمي الذي هجم على دورية للاحتلال، فردًا، ففعل بهم ما تفعله "كردحة" البولينغ بزجاجاتها الخشبية المسندة، وهي سبع.
يبحث الراوي في قصة "سرّه الباتع" ليوسف إدريس عن سرّ السلطان حامد، فالمصريون يقدّسونه، وله في كل قرية ضريح تُقدَّم له النذور! يطول بالراوي التحرّي إلى أن تدلّه خواجاية اسمها إنترناسيونال على سرّه المكين، بعد عثورها على وثائق فرنسيةٍ ومراسلاتٍ بين عالم آثار فرنسي اسمه روان، وصديقه جي يروي فيها حكاية السلطان حامد؛ إنه مصري قتل فرنسيًا ثأرًا لقتل العمدة ظلمًا. ويظهر حامد في القصة مصريًا له وشم عصفورتين على وجنتيه ومقطوع البنصر، يجيّش كليبر الحملات للقبض عليه، فيعمد الشبان المصريون إلى قطع بناصرهم ووشم وجناتهم تضحيةً بأنفسهم وسترًا له من القتل. يقولون: التاريخ يتكرّر، لعله صورة من صور أوزيريس.
تتحوّل خدعة التحلاق الحربية إلى الأمتعة والأشياء في المطاردات في الحكايات والأفلام، ونجد لها شكلًا في قصة "علي بابا والأربعين حرامي"، عندما يخدع علي بابا "الأربعين حرامي" الذين لحقوا به، ووضعوا علامة على باب بيته، فيعلم بها، ويرسم العلامة على أبواب دور الحيّ كلها، تتويهًا للحرامية الذين يضيعون عن دار علي بابا سارق اللصوص، وأول من استخدم خدعة المرايا في السينما هربًا من الشرطة هو شارلي شابلن، وقد تكرّرت في عشرات الأفلام، وأغلب مشاهد الكوميديا السينمائية لمخرجين صينيين وإيطاليين وفرنسيين مأخوذة عن شارلي شابلن.
قصّرت وزيرة خارجية بلجيكا "حاجة لحبيب" ونائبتان في البرلمان شعرهن تضامنًا مع المظاهرات المناهضة للحكومة في إيران التي اندلعت بسبب مقتل مهسا أميني، لكنَّ التضامن لا يزال ضعيفًا في الغرب. النظام الدولي لن يناصر مظاهرات الإيرانيين، فقد أفرجت أميركا عن سبعة مليارات من أرصدة إيران، تمديدًا لولاية الفرس الشيعة على العرب السنّة، تفكيكًا لدولهم وتشتيتًا لشملهم، فإيران شرطي المنطقة، وهي الظربان الذي يساعد الذئب الأميركي في صيد يرابيع الحقول؛ الذئب يصيد اليربوع الهارب من الحجر، والظربان يفترسه في الجحر إن ظفر به. وكانت الإيرانيات قد تظاهرن ضد فتوى الخميني بإلزام الحجاب النساء، من غير أضحيةٍ سوى التقوى.
إنَّ من الزينة لقوة، حتى إنَّ قوة شمشون كانت في شعره، فالشعر يتساقط مع تقدّم العمر، وهو رمز الشباب، يفنى بدن الإنسان عند الموت إلا الشعر. يحلق الحجّاج شعورهم متخلّين عن زينتهم، والشعر للنساء زينة أولى وللرجال زينة أدنى، لكن التقصير غير الحلق، وهو أدنى الإيمان.
سنتذكّر مثالًا آخر عن الستر، نجده في الحديث النبوي، في باب أكل لحم الجمل، الذي ذهب فيه الفقهاء والمحدّثون مذاهب، وهي أنَّ صحابةً أكلوا لحم جمل، فأمرهم عليه الصلاة والسلام بالوضوء، فذهب أئمة إلى إيجاب الوضوء بعد أكله، وللفقهاء وأهل العلم فتاوى وآراء منها أنَّ لحم الجمل من طبيعة شيطانية، وأنَّ الوضوء من آداب الطعام قبله وبعده، وذهب آخرون إلى أنَّ أمر النبي بالوضوء كان ستْرًا لعيبة صحابي، عزفت أمعاؤه عطرا على عود، من أن تُخفق مثل الراية على البنود.