أردوغان يسير على حبل مشدود مع إسرائيل

أردوغان يسير على حبل مشدود مع إسرائيل

02 نوفمبر 2023

أردوغان يلقي كلمة في تجمّع حاشد لدعم غزّة في اسطنبول (28/10/2023/Getty)

+ الخط -

لأن الحرب المدمّرة والهمجية التي تشنّها إسرائيل منذ أسابيع على قطاع غزّة ردّاً على هجوم حركة حماس (بشكل رئيسي) في السابع من الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول) على مستوطنات ومواقع إسرائيلية متاخمة قطاع غزّة، كانت مفاجئة، ولم تسبقها أية علامات تحذيرية تُشير إلى انفجار كبير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإنها تسبّبت بهزة كبيرة في السياسات الإقليمية، وأربكت حسابات القوى الفاعلة في المنطقة، ومنها تركيا التي كانت على وشك تطوير المصالحة الجديدة مع تل أبيب إلى استعادة التعافي في العلاقات الاقتصادية والعسكرية والتعاون الجيوسياسي في شرق البحر المتوسط. في ضوء الانتقادات الحادّة التي وجّهها الرئيس رجب طيب أردوغان، أخيرا، لإسرائيل، بسبب الجرائم التي ترتكبها في غزّة، وإظهار دعمه الصريح حركة حماس وإلغاء خطط زيارته إلى إسرائيل، وتجميد مشاريع التعاون في مجال تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا، فإن المصالحة الجديدة أصبحت في حكم المنهارة عملياً، وإن لم يصل الرد التركي، حتى لحظة كتابة هذه السطور، إلى حد تخفيض العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب، على غرار ما فعلته أنقرة في أزمات سابقة أو اتخاذ إجراءاتٍ اقتصاديةٍ قوية، غير تعليق جميع اتفاقيات الطاقة مع إسرائيل.

منذ اندلاع الحرب، سعى أردوغان إلى الموازنة بين النهج التقليدي التركي الداعم بوضوح للفلسطينيين والرافض بشدّة العدوان الإسرائيلي على غزّة وتجنّب انهيار جديد في العلاقات مع إسرائيل. وكان هذا النهج مُصمما، في جانب، لإيجاد مساحة أمام أنقرة، يُمكنها التحرّك فيها للعب دور في تهدئة حدّة التصعيد ومحاولة التوسّط بين إسرائيل وحركة حماس من أجل الإفراج عن بعض الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزّة. وفي جانب آخر، من أجل منح نفسها وقتاً إضافياً لتشكيل استراتيجية واضحة قادرة على التعامل بفعالية مع التحدّيات والمخاطر التي تجلبها هذه الحرب على العلاقات التركية الإسرائيلية، وعلى مصالح تركيا في الشرق الأوسط.

لا تزال أنقرة حذرة إزاء تصعيد موقفها إلى درجة تُدمّر بشكل كامل علاقتها الجديدة مع إسرائيل

ويبدو جانب أساسي من تصاعد حدّة الموقف التركي تجاه إسرائيل، والذي بدأ يبرز بعد مجزرة استهداف مستشفى المعمداني في غزّة، يرجع إلى الخسائر البشرية الهائلة التي يتسبّب بها العدوان الإسرائيلي على غزّة، وأيضاً إلى عدم تفاعل تل أبيب مع نداءات أنقرة للحدّ من التصعيد، ومع جهودها للتوسط في قضية الرهائن. مع ذلك، حقيقة أن أنقرة لا تزال حذرة إزاء تصعيد موقفها إلى درجة تُدمر بشكل كامل علاقتها الجديدة مع إسرائيل، تُشير إلى الحبل المشدود الذي يسير عليه موقف تركيا في الحرب.

هناك ثلاثة اعتبارات أساسية تجعل تركيا تتجنّب، حتى كتابة هذه السطور، المبادرة في تخفيض علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، أو اتخاذ إجراءات اقتصادية قوية تجاهها. أولاً، تحاول أنقرة الاستفادة من تجارب فترة الاضطرابات الكبيرة مع تل أبيب خلال العقد الماضي، والتي قوّضت، إلى حد كبير، من قدرتها على لعب دور دبلوماسي نشط في الحدّ من الصراعات العسكرية العديدة التي نشأت بين إسرائيل وحركة حماس خلال تلك الفترة، وتعتقد أن الحفاظ حاليا على الحد الأدنى من العلاقات مع تل أبيب يترك مجالاً أمامها لمحاولة لعب مثل هذا الدور في المستقبل. ثانياً، بالنظر إلى التداعيات الكبيرة للتوترات التركية الإسرائيلية خلال العقد الماضي على العلاقات الاقتصادية والعسكرية الثنائية، وعلى المصالح الجيوسياسية للبلدين، لا يزال أردوغان يأخذ بالاعتبار هذه العلاقات والمصالح في إعادة تشكيل الموقف مع إسرائيل بعد الحرب. ثالثاً، حقيقة أن الاضطرابات التركية الإسرائيلية خلال العقد الماضي عملت كعنصر إضافي في تأجيح التوتر في علاقات أنقرة بالغرب، لا سيما الولايات المتحدة، فإن أردوغان يسعى، في الوقت الراهن، إلى تجنب توتر أكبر مع إسرائيل من شأنه أن يُعقّد جهود تركيا لتحسين علاقاتها مع الغرب.

تحاول تركيا صياغة استراتيجية متكاملة تتجاوز الحسابات الضيقة في علاقاتها مع إسرائيل، وتتعلق بدورها المستقبلي في الشرق الأوسط

في محاولة للسير بحذرٍ شديد على الحبل المشدود، وقع أردوغان في الثالث والعشرين من الشهر الماضي ( أكتوبر/ تشرين الأول) على بروتوكول انضمام السويد إلى حلف الناتو، وأحاله إلى البرلمان للمصادقة عليه، بالتوازي مع تصعيد نبرته تجاه إسرائيل. وبالنظر إلى أن المصادقة التركية النهائية على عضوية السويد في الحلف لم تتحقّق بعد، فإنّه يُمكن النظر إلى قضية السويد أنها ورقة ائتمان للحدّ من تداعيات الموقف التركي من إسرائيل على علاقات أنقرة بالغرب. لا تزال تركيا تُراهن على أهميتها الجيوسياسية بالنسبة للغرب في صراعه مع روسيا بشأن أوكرانيا أنها عامل ضاغط على الدول الغربية، لثنيها عن المخاطرة في تأزيم علاقاتها مع تركيا بسبب موقفها من الحرب، طالما أنه، بشكله الحالي، لا يؤدّي إلى انهيار كامل في العلاقات التركية الإسرائيلية، ولا يؤثر جوهريا على ديناميكية الحرب. علاوة على ذلك، حقيقة أن تركيا، التي وعلى الرغم من معارضتها الشديدة الحرب الإسرائيلية على غزّة، وعلاقاتها المضطربة مع الولايات المتحدة في سورية، إلآّ أنها أصبحت لاعباً أساسياً في الجغرافيا السياسية الإقليمية، كما أن سياساتها في الشرق الأوسط لا تتعارض مع رؤية واشنطن بعيدة المدى للشرق الأوسط الجديد.

رغم ذلك، قد لا تستطيع كل هذه الاعتبارات، في نهاية المطاف، الحدّ من الانزلاق الجديد في العلاقات التركية الإسرائيلية. كما أن تركيا، التي تنظر إلى الحرب الراهنة أنها إما أن تؤدّي إلى حرب كبرى في الشرق الأوسط أو إلى سلام كبير، تحاول صياغة استراتيجية متكاملة تتجاوز الحسابات الضيقة في علاقاتها مع إسرائيل، وتتعلق بدورها المستقبلي في الشرق الأوسط الجديد الذي سيتشكل بعد 7 أكتوبر. في الوقت الذي ستواجه فيه إسرائيل، بعد هذه الحرب، صعوبات كثيرة لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة، فإنها لا تملك رفاهية التضحية بعلاقاتها الاستراتيجية مع قوة إقليمية مؤثرة كتركيا، وتلعب دوراً مهماً في نظام الطاقة الإقليمي، بسبب موقفها من الحرب. مع ذلك، هناك حقيقة أظهرتها الحرب الإسرائيلية على غزّة، أن فكرة إقامة علاقات مستقرّة ومستدامة بين تركيا وإسرائيل، ساذجة ببساطة إذا لم تتجاوز عقبة أساسية تعمل في كل تصعيد على تفجير العلاقات، وهي إيجاد حل نهائي وشامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.