أردوغان: التطبيع مع مصر وإسرائيل
يقول أردوغان إنه سيفعل مع مصر وإسرائيل مثلما فعل مع الإمارات. ..
بعيدًا عن أنه لا يوجد تطبيع حلال وآخر حرام، كما أن قليله مثل كثيره، مُدان ومستهجن، فإن المؤلم في هذه المقاربة الأردوغانية أنه لم يعد ثمّة فرق بين مصر وإسرائيل والإمارات، عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الطبيعية.
هكذا، بمنتهى البساطة، سيذهب الرجل إلى التطبيع مع إسرائيل ومع مصر، كما سبق وطبَّع مع الإمارات، وكأن ثلاثتهم على مسافة واحدة من فلسطين التي كنا نظنها البوصلة والمسطرة لتحديد المواقف من مسألة التطبيع مع العدو الذي يحتلها، والذي صار إخوتها القريبون والبعيدون يطمحون في صداقته.
فيما كان رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرتزوغ يقتحم، على رأس مجموعة من غلاة المستوطنين، الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن بلاده ستتخذ خطوات تقارب مماثلة مع مصر وإسرائيل بعد المحادثات مع الإمارات.
وفي اللحظة التي كان يجري فيها الإعلان عن تزويد إسرائيل المملكة المغربية بطائرات مسيرة انتحارية، بقيمة 22 مليون دولار، كانت جماهير الشعب المغربي تتظاهر دعمًا لفلسطين في 27 مدينة مغربية، ولم يفلح تدخل قوات الأمن لمنعها في ثني الغاضبين عن رفع شعارات تضامنية مع فلسطين ومناهضة للتطبيع ومندّدة به، مثل بـ"الروح بالدم نفديك يا فلسطين"، و"فلسطين أمانة والتطبيع خيانة"، و"الشعب يريد إسقاط التطبيع"، و"المغرب وفلسطين شعب واحد مش شعبين".
بالتحاق أردوغان بقطار التطبيع، مجدّدًا، مع الاحتلال الصهيوني، يصبح لدينا المغرب والأردن وتركيا، وثلاثتهم يزعمون إنهم الأقرب لفلسطين بشعارات إسلامية مختلفة، خلف أنظمة عربية أخرى تقود المسيرة، رافعة شعارات براغماتية شديدة الوضوح، الإمارات ومصر نموذجين، التزامًا بالتصوّر الأميركي للمنطقة، الذي وضعه دونالد ترامب وجاريد كوشنر، زوج ابنته، وهو التصور الذي ورثته الإدارة الجديدة بعد انتخاب جو بايدن وتنفذه حرفيًا.
وعلى ذكر كوشنر، تكشف صحيفة نيويورك تايمز، في أحدث تقاريرها، إنه لم يغادر المنطقة بأحلامه ومشروعاته، إذ لا يزال يجني أرباحًا كبيرة من دول الخليج التي تنفذ الآن حرفيًا بنود ما عرف باتفاق أبراهام، وهو أهم إنجازات صهر ترامب الشاب، في أثناء عمله في الإدارة الأميركية السابقة.
تقول الصحيفة "عندما يبدأ مسؤولو البيت الأبيض السابقون جني الأموال من وقتهم الذي يقضونه مع حكومتنا من خلال التودّد إلى الملوك، فإن ذلك يقلب المعدة قليلاً. هل هذا غير قانوني؟ هل هي مستنقعات للنفاق؟ وتجيب:"نعم".
كوشنر لا يزال يعبث بالمنطقة ، حيث أسّس في وقت سابق من هذا العام معهد إبراهيم لاتفاقات السلام، وهي مجموعة غير ربحية، تسعى إلى توسيع العلاقات التجارية بين إسرائيل وجيرانها العرب.
تبيع إسرائيل العرب وسائل منع التظاهر ضدها وقمع أي تضامن مع فلسطين التي تحتلها، فيما يدفع العرب لإسرائيل مالًا بلا حدود، تستخدمه في توسيع استيطانها وتشديد احتلالها ومضاعفة أعمالها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني.
هذا في الحقيقة أبعد من أحلام المتطرفين الصهاينة، وأكبر من أهداف ترامب وكوشنر، حين شرعا في إعادة رسم خرائط المنطقة، وأقسى من كوابيس الفلسطيني الذي يواجه هجمات الاحتلال والمطبعين من إخوته وجيرانه معًا.
يبقى أنه حين سلك المطبّعون العرب الطريق إلى علاقات صداقة وتعاون مع إسرائيل، انتفض الجميع غضبًا وتنديدًا ونحيبًا على فلسطين التي تتلقى طعنات الغدر، بينما يخيم الصمت على مشهد صعود أردوغان إلى القطار ذاته، وهنا يتجدّد السؤال الأبدي: هل يختلف الحكم بصحة الفعل وأخلاقيته باختلاف الفاعلين؟ بصيغة أخرى: هل هناك سرقة حلال وسرقة حرام، وبالقياس ذاته: هل هناك تطبيعٌ مقبول وتطبيعٌ مرفوض؟