09 نوفمبر 2024
أبعد من آية حجازي
"عذّبوه وقتلوه كما لو كان مواطناً مصرياً".. لم تكن عبارة والدة الإيطالي المقتول في مصر، جوليو ريجيني، هذه، تنفيسا عن انفعالِ أمٍّ ثُكلت بابنها بكيفيةٍ مُفزعة، وإنما أشهرت هذه العبارة قناعةً متوطّنةً بأن قيمة الإنسان المصري عند سلطات بلاده رخيصة. ولا يعود هذا الانطباع إلى مواريث استشراقيةٍ مقيمةٍ في العقل الغربي الراهن، ولا إلى نزوعٍ من التعالي الأوروبي على مصر، وسائر بلاد العرب الزاهرة، وإنما يعودُ إلى وقائع ظاهرة ومشهورة تسوّغ لوالدة جوليو ريجيني، ليس فقط اتهام جهاز الأمن المصري، مؤسسةً وأفرادا، باقتراف جريمة خطف ابنها، الطالب الذي جاء إلى مصر يكتب أطروحةً جامعيةً عن نقابات العمال فيها، ثم تعذيبُه بشناعة، فقتلُه، وإنما تسوّغُ أيضا إشهار البديهية التي تقيم في مدارك هذه السيدة الإيطالية عن المواطن المصري، منقوص المكانة والاحترام في أفهام أهل السلطة ومحتكريها في بلاده، ولا سيما الأمنية البوليسية المخابراتية منها. وهذا استقبال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، آية حجازي، وجلوسها على المقعد الذي جلس عليه، قبل أيام، رئيس مصر عبد الفتاح السيسي، مستجدٌّ يعزّز ثبات تلك البديهية التي طافت في ذهن والدة ريجيني. وهنا، يحسن أن يوازي كل مصري عبارة هذه السيدة مع صورة ترامب مرحّبا بآية حجازي في البيت الأبيض، ساعاتٍ بعد وصولها بطائرة عسكرية أميركية من مصر، ساعاتٍ بعد إفراجٍ عنها من حبسٍ احتياطي في سجن النساء دام ثلاث سنوات، ساعاتٍ بعد تبرئة محكمةٍ في القاهرة لها من تهم ثقيلةٍ رميت بها، هي وزوجها مع سبعةٍ آخرين، أياما قليلة بعد عودة السيسي من عند ترامب.
أن تحوز آية حجازي جنسيةً أميركيةً، أو مواطَنةً أميركيةً بحسب التسمية الأصح، سببٌ كافٍ لتنغّص وزاراتٌ وهيئاتٌ حكوميةٌ أميركية على الدولة المصرية (؟)، من أجل أن توقِف مهزلة الاتهامات السخيفة (التجارة بأطفال الشوارع مثلا!) للمواطِنة الأميركية، المصرية سابقا، السيدة آية. وكان طريفا من متحدّثٍ باسم الخارجية المصرية قوله، إبّان طلب وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، إطلاق سراح آية، استغراب بلاده من إصرار دوائر أميركية على الاستهانة بسيادة القانون في مصر. فقد تبدّى، مراتٍ كثيراتٍ، كم هي خفيفةٌ هذه السيادة. وهي نفسها التي تُمارس على إسماعيل الإسكندراني، لأنه مواطنٌ مصري، عاد إلى بلده زائرا من غربةٍ، فالتقطته الأجهزة إياها، وأودعته الحبس باتهاماتٍ تافهة. وهي السيادة نفسها التي لم يُعثر عليها لمّا نقلت طائرةٌ عسكريةٌ أميركية، في العام 2012، تسعة أميركيين وثمانية آخرين من جنسياتٍ مختلفةٍ في قضية التمويل الأجنبي إيّاها، بينما كانت قضيتهم أمام القضاء الشامخ. وتُمارَس السيادة المذكورة على آلافٍ من المعتقلين، من شباب ثورة يناير، ومن مصريين يحبون بلدهم، ومن معتنقي أفكارٍ لا تسبّح للسيسي وعطاءاته المعلومة في رفع الأسعار، وزيادة البطالة، وفداحة غياب العدالة الاجتماعية، وغير ذلك من صنوف الهوان في مصر، كما يؤشّر إلى بعضها موت مئاتٍ في السجون، جرّاء الإهمال الطبي والتعذيب، في سنوات السيسي الثلاث الزاهرة.
ولكن، لإعطاء كل ذي حقّ حقه، لا تنفرد مصر، في حالها الراهن، بما سبق، فأنظمةٌ عربية غير قليلة تتوفر على بعض شمائل نظام السيسي الموجزة هنا. ولأن الحكاية شرحُها يطول، ثمّة من قصصٍ، مشابهةٍ إلى حد ما، للذي جرى مع آية، ما وقع لمدرّب كرة سلة عراقي، يتمتع بجنسيةٍ بريطانية، أسابيع بعد وراثة بشار الأسد السلطة في سورية. احتُجز أحد عشر شهرا لورود اسمه في مذكّرة أحد أقارب زوجته السورية، وظلت سفارة بريطانيا تطالب بالإفراج عنه، وبعد أن أمّنت لأسرته رحيلا إلى لندن، كانت سيارةٌ منها في انتظاره عند خروجه من السجن، الفظيع كما وصفه في حديثٍ مخيف في "الغارديان" لاحقا، لتؤمّن له حمايةً، وسفرا إلى "وطنه" بريطانيا.
ثمّة انكشافٌ مريعٌ لركاكة الدولة العربية الراهنة، ولسفالة النظام الحاكم في مصر، وأمثاله في سورية وغيرها، توحي به صورة ترامب مع آية حجازي في البيت الأبيض، عندما تذكّر بضحايا بلا عدد، في سجونٍ عربية وفيرة، وتذكّر مثلا، بطلّ الملوحي في سورية، وبقولة والدة جوليو ريجيني العصيّة على النسيان.
أن تحوز آية حجازي جنسيةً أميركيةً، أو مواطَنةً أميركيةً بحسب التسمية الأصح، سببٌ كافٍ لتنغّص وزاراتٌ وهيئاتٌ حكوميةٌ أميركية على الدولة المصرية (؟)، من أجل أن توقِف مهزلة الاتهامات السخيفة (التجارة بأطفال الشوارع مثلا!) للمواطِنة الأميركية، المصرية سابقا، السيدة آية. وكان طريفا من متحدّثٍ باسم الخارجية المصرية قوله، إبّان طلب وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، إطلاق سراح آية، استغراب بلاده من إصرار دوائر أميركية على الاستهانة بسيادة القانون في مصر. فقد تبدّى، مراتٍ كثيراتٍ، كم هي خفيفةٌ هذه السيادة. وهي نفسها التي تُمارس على إسماعيل الإسكندراني، لأنه مواطنٌ مصري، عاد إلى بلده زائرا من غربةٍ، فالتقطته الأجهزة إياها، وأودعته الحبس باتهاماتٍ تافهة. وهي السيادة نفسها التي لم يُعثر عليها لمّا نقلت طائرةٌ عسكريةٌ أميركية، في العام 2012، تسعة أميركيين وثمانية آخرين من جنسياتٍ مختلفةٍ في قضية التمويل الأجنبي إيّاها، بينما كانت قضيتهم أمام القضاء الشامخ. وتُمارَس السيادة المذكورة على آلافٍ من المعتقلين، من شباب ثورة يناير، ومن مصريين يحبون بلدهم، ومن معتنقي أفكارٍ لا تسبّح للسيسي وعطاءاته المعلومة في رفع الأسعار، وزيادة البطالة، وفداحة غياب العدالة الاجتماعية، وغير ذلك من صنوف الهوان في مصر، كما يؤشّر إلى بعضها موت مئاتٍ في السجون، جرّاء الإهمال الطبي والتعذيب، في سنوات السيسي الثلاث الزاهرة.
ولكن، لإعطاء كل ذي حقّ حقه، لا تنفرد مصر، في حالها الراهن، بما سبق، فأنظمةٌ عربية غير قليلة تتوفر على بعض شمائل نظام السيسي الموجزة هنا. ولأن الحكاية شرحُها يطول، ثمّة من قصصٍ، مشابهةٍ إلى حد ما، للذي جرى مع آية، ما وقع لمدرّب كرة سلة عراقي، يتمتع بجنسيةٍ بريطانية، أسابيع بعد وراثة بشار الأسد السلطة في سورية. احتُجز أحد عشر شهرا لورود اسمه في مذكّرة أحد أقارب زوجته السورية، وظلت سفارة بريطانيا تطالب بالإفراج عنه، وبعد أن أمّنت لأسرته رحيلا إلى لندن، كانت سيارةٌ منها في انتظاره عند خروجه من السجن، الفظيع كما وصفه في حديثٍ مخيف في "الغارديان" لاحقا، لتؤمّن له حمايةً، وسفرا إلى "وطنه" بريطانيا.
ثمّة انكشافٌ مريعٌ لركاكة الدولة العربية الراهنة، ولسفالة النظام الحاكم في مصر، وأمثاله في سورية وغيرها، توحي به صورة ترامب مع آية حجازي في البيت الأبيض، عندما تذكّر بضحايا بلا عدد، في سجونٍ عربية وفيرة، وتذكّر مثلا، بطلّ الملوحي في سورية، وبقولة والدة جوليو ريجيني العصيّة على النسيان.