"جميع رجال الملك"
قد يكون أقرب وصف للمشهد الأردني العام في الأردن هذه الأيام أن "لجميع الأفعال عواقب"، وهو أبرز الخطوط الدرامية لرواية "جميع رجال الملك" للأميركي روبرت بن وارن، والتي صدرت عام 1946، وإن تختلف حبكتها الدرامية، لكنها تتشابه في ظلال بعض شخوصها السياسية.
هذا ما تبادر إلى الأذهان مباشرة بعد صدور قرار محكمة أمن الدولة (العسكرية) بالحكم بالسجن على رئيس الديوان الملكي السابق، باسم عوض الله، بالحبس 15 عاما، فأردنيون كثر لم يمنعوا أنفسهم من استحضار ثلاثة أسماء لامعة (سميح البطيخي ومحمد الذهبي وأخيرا عوض الله)، وإخضاعهم لمقارنات ومقاربات، ليست في مكانها، فالثلاثة يختلف المسار المهني لكل منهم وتداعياته، وحتى أسباب إخفاقاته. ولكنهم بالتأكيد كانوا "رجال الملك" في فترات عملهم، كأبرز الشخصيات الرسمية وأكثرها قربا للملك عبدالله الثاني منذ توليه سلطاته الدستورية، وريثا لمملكة بناها الحسين الأب في إقليم ساخن، واستطاع تجاوز كل العواصف، لكنها اليوم تمرّ بتحديات عميقة، الداخل منها ينافس الخارجي منها، في غموضه وحدّته.
كان سميح البطيخي مديراً للمخابرات الأردنية العامة في 1996، ومستشار الملك لشؤون الأمن القومي ومقرّراً لمجلس أمن الدولة، عين عضواً في مجلس الأعيان، واستقال منه تمهيداً لمحاكمته بتهمة الفساد، لاشتراكه بما عرفت بـ "قضية التسهيلات البنكية"، وحكم عليه بغرامة 17 مليون دينار وحبس ثماني سنوات خفضت إلى أربع. ما لبث الملك أن عين محمد الذهبي خلفا للبطيخي، غير أن حياته المهنية انتهت في المحكمة أيضا، لكنها هذه المرّة لم تكن محكمة خاصة، وإنما محكمة الجنايات الكبرى التي نظرت في تهم بالفساد وسوء استغلال الوظيفة وغسيل أموال، وحكم عليه إثرها بالحبس 13 عاما مع الأشغال الشاقة وثلاثة أشهر وغرامة 21 مليون دينار ومصادرة 24 مليونا أخرى من أمواله.
وإذا كانت المقاربات واقعيةً، فإنه لا مجال للربط بين ما حصل لمدير المخابرات العامة الأسبق، محمد الذهبي، وكبير مستشاري الملك ورئيس ديوانه السابق، باسم عوض الله، إلا فترة الصراع العميق بين الرجلين في أثناء خدمتيهما الملك، كل في منصبه الدقيق والحسّاس، مع انقسام نخب الشارع الأردني حينها بينهما، وكأن تلك النخب تنقصها أسباب للانقسام، فكيف إذا كان مجزيا ومربحا من الطرفين لكليهما، والمتضرّر الوحيد كان "الوطن والمواطن"، كما كان يتردّد، وما زال بين أوساط ناشطين مطالبين بالإصلاح، وغير مقتنعين حتى بالحكم القاسي الذي صدر بحق عوض الله، واعتبروه استجابةً متأخرة لمطالبات سابقة ومتكرّرة بالمحاكمة لـ"البهلوان" (لقب عوض الله الذي يعتبره الأردنيون عرّاب الخصخصة وبيع مقدّرات الدولة).
لا أحد قريبا من الملك، إذا ابتعد عن المصلحة الوطنية العليا في الأردن
بعيدا عما فعله باسم عوض الله، أو ما حوكم عليه في قضية "الفتنة"، وقبل ذلك بسنوات، عندما كان الجميع في الأردن يطلب ودّه لما له من سطوةٍ وسلطة، فهو اليوم مجرّد منها، إما بسبب خطأ ارتكبه في إدارته الملف الذي كلّف به في الأردن، أو ربما لأن عيونا أردنية لم تنم، وأحبطت ما كان مخطّطا أن يقوم به.
وبغض النظر عن التشابه والاختلاف بين الرجال الثلاثة، وربما آخرين تم إنهاء ملفاتهم بصمت، أو يتم العمل على ذلك، يتراجع اليوم ما أثير من ملاحظاتٍ على إدارة الملك بعض الملفات سياسيا. لكن الملك اليوم يرسل رسالة واضحة، ربما أملتها عليه عقيدته العسكرية، بأنه فعلا يجب التصرّف بحزم وصرامة تجاه أقرب الأشخاص إليه في دائرته، ولم يشفع لهم حتى دفاعه عنه شخصيا في أحد الأيام، وهي رسالة حبذا لو يلتقطها جميع من حوله اليوم، أو من يطمحون إلى ذلك، أن لا أحد قريبا من الملك، إذا ابتعد عن المصلحة الوطنية العليا في الأردن.