"العدالة والتنمية" في المغرب .. "ميسي" يعبر الصحراء!
مهما كانت الزاوية السياسية أو الإيديولوجيا أو الشخصية في تحديد الموقف من حزب العدالة والتنمية المغربي، فإن الاستقراء الموضوعي والحيادي يدفع إلى الاعتراف بأن الحزب دبَّر أكبر أزمة قد يخضع لها تنظيم سياسي، باتخاذ ثلاث خطوات غير مسبوقة في المغرب السياسي المعاصر: الاستقالة الجماعية للأمانة العامة للحزب، بعد ظهور النتائج الكارثية في انتخابات 8 سبتمبر، فلم يسبق قط أن قدم أي زعيم سياسي مغربي استقالته بعد فشله الانتخابي، بالأحرى أن تسارع القيادة، بمجموع أعضائها، إلى تحمّل المسؤولية عبر الإقرار السياسي والتنظيمي بالفشل. الخطوة الثانية التي ميزت مرحلة ما بعد النكسة الانتخابية تجسّدت في عودة الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، وهو أمر لم يحدث لأي قيادي في الأحزاب المغربية، أي أن يغادر الرجل الأول في التنظيم، ثم يعود بعد أن يكون غيره قد قاد الحزب ولاية كاملة. ينطبق الشيء نفسه على رئيس الحكومة، بنكيران، الذي جرَّب استعصاء سياسيا نادرا، تمثل في فشله في تشكيل حكومته، بعد أن قاد إخوانه إلى تحقيق فوز ساحق في العام 2016، واستطاع الفوز بـ125 مقعدا، وهو اكتساح تشريعي لم يحققه أي حزب قبله لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية. وقد كان فشله في تشكيل حكومته لأسبابٍ يطول شرحها، سابقة بدورها، كلّفته منصبه الحكومي، وأيضا منصبه على رأس الحزب وقتها. وسيكون أول رئيس حكومة يقود حزبه بعد أن غادر منصبه الدستوري، ومنصبه الحزبي دفعة واحدة. أما أهم خطوة استرعت الاهتمام داخل الحقل السياسي المغربي وخارجه، فهي القدرة على ممارسة الديمقراطة الحزبية الداخلية داخل الوحدة، أي القدرة على تأمين وحدة الحزب، بالرغم من الاختلافات العاصفة التي وجد نفسه وسطها. وقد عرف المؤتمر الاستثنائي شدّا وجذبا، بين مقترحات عبد الإله بنكيران وأغلبية القيادة السابقة، حيث سحق التصويت بالاغلبية مقترحات القيادة السابقة، والتي كانت تريد قيادة بديلة مدة لا تزيد عن سنة، في حين طالب بنكيران بقيادة عادية ولاية كاملة، وكان له ذلك. وترشّحت ستة أسماء وازنة من داخل التنظيم، انتهت، في خلاصة التمرين الديمقراطي، إلى بناء ديمقراطية على قاعدة الوحدة.
يعيش الحزب الإسلامي المغربي في ظل تسارع الأوضاع في شمال أفريقيا والشرق العربي بالنسبة للإسلام السياسي ما بعد الثورات
والواقع أن حزب العدالة والتنمية مرّ من فوق جسر عادة ما يتهاوى بمن يعبره، حتى أن "الانقسامية" صارت شرطا ملازما لفهم الحياة الحزبية المغربية، جعل منه الباحث في الأنثروبولوجيا السياسية، الأميركي، جون واتربوري، صاحب كتاب "أمير المؤمنين الملكية والنخبة السياسية"، قاعدة لتفسير جزء كبير من الانشقاقات والانقسامات التي طبعت التاريخ السياسي المغربي. ويعيش الحزب الإسلامي المغربي، الذي جاء على صهوة الربيع العربي، في ظل تسارع الأوضاع في شمال أفريقيا والشرق العربي بالنسبة للإسلام السياسي ما بعد الثورات. ولعل التعثر التي تعرفه تونس، والمسيرة التراجيدية للإسلام السياسي في مصر، وتغير المعادلات الإقليمية والدولية، وتأثير ذلك كله في معنى الحزبية الإسلامية، كان حاضرا في قرارات الحزب المغربي.
ويحسُن بنا هنا أن نستحضر مصير منصف المرزوقي الذي حكم إلى جانب حركة النهضة، ذات التوجه الإسلامي، في تونس ما بعد الثورة، ونستحضر خلاصة ما توصل إليه هو نفسه من الشراكة في الحكم مع "النهضة"، إذ اعتبر أنه "إجمالا الإسلام السياسي .. لعب دورا سلبيا في ثوراتنا العربية"، مع الدفاع عن حق هذا التيار في المشاركة في اللعبة السياسية.
اختار بنكيران المسؤولية والنضج في قراءة المرحلة، ولم يقدّم أي طعن سياسي في الانتخابات
لقد حذّر الأمين الجديد، عبدالإله بنكيران، أتباعه من أي فكرة بطولية عنه، عندما قال "لست ميسّي، أنا لاعب مثلكم"، غير أنه سيكون مجبرا على تدريب فريقه على عبور الصحراء التي انفتحت أمامه بكل شراسة الهزيمة. ويدرك هو نفسه أن كثيرا من تنظميات الإسلام السياسي، حزب العدالة والتنمية التركي نموذجا، قد غيرت نفسها وسيرتها، لكي تستمر بعد كل منعطف خطير، من قبيل الهزيمة الساحقة. والواضح أنه يصر على أن "يتغير الحزب، لا أن يغير هو الحزب"، ويبحث عن بديل آخر.
وعلى الرغم من ميله المألوف إلى التشكيك والريبة، والبحث عن "تماسيح وعفاريت" سياسيين، لتفسير جزء من لعبة السياسة في المغرب، فقد اختار بنكيران المسؤولية والنضج في قراءة المرحلة، ولم يقدّم أي طعن سياسي في الانتخابات، والتي كلّفته ثمنا كبيرا، كما أنه دعا إلى "تجاوز سلبيات الماضي"، وهو يسحب هذا الموقف على حزبه، وعلى الآخرين.