سد النهضة: المشروعات التنموية المشتركة سلاح إثيوبيا لتفريغ المفاوضات

05 اغسطس 2020
تحاول مصر رفع كفاءة إدارة مواردها (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

بينما تكثف إثيوبيا تحركاتها الدولية المباشرة، من خلال تنظيم فعاليات كبرى وندوات للأشخاص الفاعلين في الدوائر الدبلوماسية والسياسية بالدول الغربية والولايات المتحدة، للتعريف بموقفها الذي تصر على أنه عادل في قضية سد النهضة، في مواجهة تعثّر مصري مستمر على صعيد الحشد السياسي والإعلامي، بدأت أديس أبابا ممارسة لعبة تفاوضية جديدة، لإهدار فرص التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن قواعد تشغيل وملء السد. ويأتي ذلك من خلال طرح مسألة المشاريع التنموية المشتركة، لتحقيق استفادة مزعومة لمصر والسودان من السد، على طاولة المفاوضات الحالية، ومحاولة خلق زحام مفتعل من الاعتبارات الاقتصادية والأهداف التنموية، للتشويش على الرغبة المصرية في انتزاع ضمانات فنية وقانونية حقيقية لعدم تعرضها لأضرار بالغة من تشغيل السد على المدى الطويل. وأكدت أديس أبابا، أمس الثلاثاء، هذا التوجه، من خلال إعرابها عن استعدادها لإتمام المفاوضات الثلاثية بشأن سدّ النهضة بطريقة تضمن تحقيق مصلحة ومنفعة جميع الأطراف. وقالت وزارة المياه والري والطاقة الإثيوبية، بحسب ما نقلت صحيفة "دايلي نيشن" الكينية، إنّ المفاوضات التي استؤنفت أول من أمس الإثنين، "ستقوم على مخرجات الجولة الأولى من المباحثات"، مشددة على أن أديس أبابا "ستعمل من أجل إتمام المفاوضات بطريقة تحقق نفعاً لجميع الأطراف".
وأول من أمس، عقد ثاني اجتماع للجولة الثانية للتفاوض حول سد النهضة، عبر الفيديو كونفرانس، بحضور مراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخبراء مفوضية الاتحاد الأفريقى. وخلال الاجتماع، حذرت مصر والسودان، من تداعيات الملء المنفرد للسد، مطالبين بسرعة الوصول لاتفاق ملزم.
وكشفت مصادر حكومية مصرية، اطلعت على مناقشات المفاوضات في اليومين الأولين من جولة التفاوض الحالية، أن إثيوبيا ركزت خلال النقاشات على مسألة استعداد الأطراف الوسيطة، وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وبعض الدول كالصين، لرعاية مشروعات مشتركة تؤدي دوراً في تقليل الأضرار المحتملة على جميع الأطراف خلال عملية الملء الممتد أو في حالات الجفاف الممتد، بالإضافة لمساعدة إثيوبيا ذاتها على إنشاء سدود أخرى على حوض النيل الأزرق ومشروعات لتحسين جودة المياه وكفاءة التدفق من البحيرات المختلفة، تشمل إزالة أجزاء من الغابات.

لا تزال هناك 5 قضايا لم تحلّ للتوصل إلى اتفاق نهائي

وأضافت المصادر، أن الإثيوبيين أعادوا من جديد الحديث عن الشراكة مع مصر والسودان في زراعة حزام للاستمطار في مناطق معينة، على أمل زيادة كميات المياه الداخلة في حوض النيل الأزرق، بدعم فني ومالي من أطراف دولية، الأمر الذي كان قد اتفق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على الشروع فيه منذ عامين تقريباً، حال التوصل إلى اتفاق فني وقانوني، لكن العوائق الإثيوبية حالت دون السير في مجريات تنفيذه.
وأوضحت المصادر، أنه يمكن القول إن إثيوبيا في مطلع هذه الجولة، تحدثت في كل شيء تقريباً، عدا القضايا الرئيسية التي من المفترض أن يعالجها الاتفاق النهائي الملزم، وهو ما يشي باتجاه هذه الجولة إلى فشلٍ جديد، لا سيما أن المقترحات السودانية التي طرحت أيضاً، لا تشير إلى إمكانية حسم المشاكل العالقة.
وبحسب المصادر المصرية، فإن الوفدين الفني والقانوني المصريين، بدآ بالأمس مناقشاتهما في المفاوضات، بالتأكيد على رفض التطرق للمشروعات التنموية، وعدم وجود فرصة لإحالة القضايا التسع الرئيسية العالقة في المفاوضات لنقاشات فنية فرعية، أو استدعاء عقد اجتماعات للجان الوطنية الفنية العلمية التي تم تشكيلها قبل عامين وفشلت في تحقيق تقدم عملي يذكر.

وأشارت المصادر، إلى أن مصر أعدت تقريراً جديداً قدمته للدول المراقبة وللسودان وإثيوبيا، عن التطور في سير مشاريع تحسين ظروف الري واستغلال المياه في مصر، وعلى رأسها مشروع تبطين الترع، لتبرهن أمام القوى الغربية تغير سلوكها المائي. وتظهر هذه الدول اقتناعاً بالترويج الإثيوبي، الذي يتهم القاهرة في كواليس الاتصالات الدولية بشأن قضية السد، بأنها تهدر نسبة كبيرة من قدراتها المائية وحصتها. وتتبنى هذه الدول بذلك الرؤية الإثيوبية، التي تزعم أن انخفاض كفاءة مصر في إدارة مواردها، هو ما يدفعها لمحاولة الافتئات على حق الشعب الإثيوبي في التنمية وعرقلة التشغيل السريع لسد النهضة.
وسبق أن رفضت مصر، من قبل، فكرة استدعاء بعض القوى الأوروبية كوسطاء لحلحلة المفاوضات، بدلاً من الولايات المتحدة المرفوضة من قبل أديس أبابا. وترى القاهرة أن تلك الدول لم تبد تعاطفاً تجاهها، وهي طرحت من قبل حلولاً تمثل خرقاً للسيادة المصرية، أو تفتح الباب لممارسة ضغوط على القاهرة لتغيير أولويات إنفاقها المحلي، مثل اقتراح التكفل بإدارة نظام لرفع كفاءة إدارة المياه، مقابل قبول خطة ملء وتشغيل أكثر مرونة لصالح إثيوبيا.
وعادت مصر مطلع العام الحالي لتركز على تلك المشاريع، لتأكيد سعيها لوضع خطة سريعة لتقليص كمية المياه المفقودة، بما يهدف في الأساس لغلق الباب أمام ذلك النوع من المقترحات الأوروبية، لا سيما أن عدداً معتبراً من القروض الأوروبية التي حصلت عليها مصر في السنوات الخمس الأخيرة كانت موجهة بالفعل لرفع كفاءة قطاع الري.
وفي 28 يوليو/تموز الماضي، رفض السيسي في كلمة مطولة عن السد، الحديث عن احتمالية عدم الوصول إلى اتفاق، زاعما أنه سيتم التوصل إلى اتفاق يضمن عدم الإضرار بمصر "بإصراركم وإصرارنا وعملكم واجتهادكم"، معدداً بعض المشروعات التي دعا المصريين للمساهمة فيها ليس بمجهودهم فقط ولكن أيضا بأموالهم. ومن هذه المشروعات، تبطين الترع وإنهاء المرحلة الأولى التي يبلغ طولها الإجمالي 20 ألف كيلومتر، وتغيير نظم الري لتصبح أكثر قدرة على توفير المياه، ووقف البناء والاعتداءات على الترع والمصارف.

تشوش إثيوبيا على رغبة مصر بانتزاع ضمانات حقيقية

وبحسب المصادر، فما زالت هناك خمس قضايا أساسية يجب حلّها للتوصل إلى اتفاق نهائي على المستوى الفني، أولها عدم وضوح برنامج الملء المستمر والدائم للسد، وثانيها حجم التدفق اليومي من السد، والذي سيصل إلى سد الروصيرص بالسودان، حتى لا تتأثر السلامة الإنشائية للأخير. وتتمسك الخرطوم بأن يكون التغير في حدود 250 مليون متر مكعب، وتقترح أديس أبابا 350 مليوناً. أما القضية الثالثة، فهي عدم الاتفاق حتى الآن على حجم التدفق العام في فترات الجفاف والجفاف الممتد، والذي تقترح مصر أن يكون 37 مليار متر مكعب كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا، وهو 32 مليار، وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث. وتتمثل القضية الرابعة بغياب خطة إثيوبيا للاستخدامات الخاصة بالمياه، سواء أكانت مخصصة لإنتاج الطاقة أم الزراعة أم غيرها. أما القضية الخامسة والأخيرة، فهي ضرورة الاتفاق على معايير قياس امتلاء سد النهضة (وسد السرج الاحتياطي المجاور) مجتمعين، والربط بينه وبين سد الروصيرص والسد العالي، وهي مسألة تراها مصر ضرورية في حين تراها إثيوبيا مدخلاً للربط بين السدود، وهو ما ترفضه.
أما القضايا القانونية التي مازالت عالقة فهي: عدم التوافق الكامل على مدى إلزامية الاتفاقية التي سيتم توقيعها، وعدم التوافق على آلية فض المنازعات التي ستنشأ مستقبلا حول تشغيل السد والملء، وثالثها رغبة إثيوبيا في تحويل الاتفاقية إلى اتفاق للمحاصصة في مياه النيل وإلغاء اتفاقية 1959 بين مصر والسودان. أما رابع القضايا القانونية وأحدثها، فهي رغبة إثيوبيا في انتزاع موافقة مصر والسودان على إقامتها مشروعات مائية أخرى على مجرى النيل الأزرق وتطبيق القواعد الاسترشادية الخاصة بسد النهضة عليها، الأمر الذي ترفضه مصر نهائيا.
وسبق وقدمت مصر مصفوفة توضح أن التدابير التي تضمنتها مسودة اتفاق واشنطن التي وقعت عليها مصر منفردة نهاية فبراير/شباط الماضي، تبقي منسوب المياه، إذا توافرت كل حالات الاستثناء من جفاف وتمرير لأعلى نسبة مطلوبة من المياه، عند 605 أمتار تقريباً، علماً أن نقطة الجفاف النظرية هي 603 أمتار. وأوضحت المصفوفة أيضاً أن تمرير كمية تتراوح بين 37 مليار و38 مليار متر مكعب في أوقات الجفاف، ستبقي السد ممتلئاً بكمية تصل إلى 23 مليار متر مكعب، وهو ما يكفي تماماً لتوليد الطاقة المطلوبة، إذا كان بالفعل توليدها هو الهدف الأول من إنشاء سد بهذه الضخامة، الأمر الذي غدا محل شك كبير من المصريين والسودانيين، دفعهم للمطالبة بخريطة استخدام التصرفات.

موقف
التحديثات الحية
المساهمون