قبل سنوات، ترك زاهد محمد مديرية شينواري وقصد العاصمة الأفغانية كابول لمتابعة تعليمه في إحدى الجامعات الخاصة. والشاب الأفغاني لم يكن ليفعل ذلك لولا إصرار خاله الذي حال دون انخراطه في صفوف تنظيم داعش مثلما فعل كثيرون من أقرانه ورفاقه في المدرسة الثانوية.
ويخبر زاهد (25 عاماً)، أنّه التقى قبل أيام زميلاً له من المرحلة الثانوية في مدينة بيشاور الباكستانية، كان جافاً في تعامله معه. يضيف أنّ "زميلي القديم الذي كان معتدلاً انضمّ إلى جماعة عمدت إلى غسل دماغه كلياً، فصار يرى كلّ من يعيش في كابول خارجاً عن الملّة". ويشير إلى أنّ "صاحبي هذا ليس الوحيد بل ثمّة عشرات من الشبان الذين وقعوا فريسة الجماعات المسلحة بعدما بقوا في المديرية والقرى نفسها. فهؤلاء لا يجدون أمامهم خياراً آخر غير الانضمام إلى تلك الجماعات وحمل السلاح".
من جهته، يتحدث عبد الجبار عن معاناته بعدما نقل خمسة من أبناء إخوته وأخواته من إقليم كونار إلى العاصمة كابول ليعيشوا معه في بيت صغير. ويقول عبد الجبار: "لا أنا قادر على استئجار منزل كبير ولا ضميري يسمح لي بأن أترك شبان أسرتي فريسة للجماعات المسلحة". ويخبر عبد الجبار: "لمّا رأيت شبان القرية يتركون منازلهم ويتوجهون إلى الجماعات المسلحة، وبعض منهم يصطحب معه الأهالي، خشيت على أبناء أسرتي الساكنين في القرية، لا سيّما عندما وجدت أنّ بعضهم يحمل تلك الأفكار ويناقشها ويتحدث عن حمل السلاح. فاتخذت قراري بنقلهم إلى كابول".
يضيف عبد الجبار: "أنا أعيش معاناة دائمة، لأنّ حالتي المادية صعبة ولا يمكنني أن أتحمّل تكاليف أكبر ممّا أتحمّله الآن. كذلك فإنّ بيتنا يتألف من غرفتَين لا تكفيان لأسرتي، لكنّنا تركنا واحدة لهم وإن كانت لا تكفيهم. بالتالي صارت حياتنا مرتبكة".
إلى ذلك، غادرت أسرة حبيب الله قريتها بعدما ترك ابنها الوحيد، رشيد الله، المدرسة في مديرية لعل بوره، في إقليم ننجرهار، والتحق بتنظيم "داعش". يخبر حبيب الله أنّ "ابننا غاب ثلاثة أشهر وكنّا قلقين جداً عليه، فهو ابن وحيد بعد ثلاث بنات. وبعد جهود وتعاون من قبل بعض الأقارب، تمكنّا من معرفة مكانه. هو كان في مديرية أتشين التي تُعَدّ مركز داعش في شرق أفغانستان". يضيف حبيب الله أنّه "وخلافاً لتوقعاتي، اقتنع ابني بالعودة معي إلى المنزل. وفور وصولنا إلى قريتنا، خرجنا منها تاركين وراءنا الزراعة وكلّ ما نملك. المهمّ كان الهروب بابننا الوحيد". واليوم، يعيش حبيب الله وعائلته مع ابن عمّه في منطقة أرزان قيمت، في ضواحي العاصمة كابول، لكنّه يشعر بالراحة على الرغم من كل المعاناة، لأنّه تمكّن من الحفاظ على ابنه بعدما كان قد فقد الأمل.
وتتوالى حكايات الأسر التي إمّا فقدت أبناءها بعدما جندتهم التنظيمات المسلحة، وإمّا نزحت من ديارها في محاولة لحمايتهم. في السياق، عبّرت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان (يوناما)، في بيان أخير لها، عن أسفها إزاء تجنيد الأطفال في صفوف التنظيمات المسلحة، ولا سيّما أنّ عدداً كبيراً من القتلى خلال العام الماضي من هؤلاء. كذلك تحدّثت "يوناما" عن الاعتداءات الجنسية المتزايدة على هؤلاء الأطفال بعد تجنيدهم، معربة عن قلقها الشديد حيال وضع الأطفال المأساوي في أفغانستان.
وأكّدت رئيسة وحدة حقوق الإنسان في "يوناما" دانييل بيل، أنّ حالة الأطفال في أفغانستان عموماً وفي المناطق البعيدة عن العاصمة خصوصاً، مقلقة ومؤسفة للغاية. لم تعرب المسؤولة فقط عن أسفها الشديد إزاء عدد القتلى من الأطفال خلال العام الماضي، بل إزاء أولئك الذين يجري تجنيدهم. بالنسبة إليها، فإنّ استمرار هذه العملية يدمّر مستقبل ناشئة البلاد. وإلى الاعتداءات الجنسية على الأطفال بعد تجنيدهم في صفوف المسلحين، تتحدّث بيل عن المخدرات التي صاروا يدمنونها وعن تورّطهم في أنواع عدّة من الفساد.
وكان تقرير بعثة "يوناما" قد أشار إلى أنّ نحو 3200 طفل قتلوا أو أصيبوا خلال العام الماضي. لكنّ الاعتقاد السائد في أفغانستان هو أنّ الإحصاءات الرسمية بمعظمها غير دقيقة، وخصوصاً أنّ الحرب مستعرة في المناطق النائية، وبالتالي من الممكن أن يكون عدد القتلى والجرحى من الأطفال خلال العام الماضي أكبر من العدد الذي ذكرته البعثة.
وفي السياق، يقول الحقوقي والناشط الاجتماعي روح الأمين، إنّ "العام الحالي سوف يكون أسوأ حالاً من العام المنصرم في ما يتعلق بأوضاع الأطفال، إذ إنّ عدد الأطفال المجنّدين في صفوف المسلحين، بحسب تقديراتنا، في تزايد، وعدد القتلى والجرحى بينهم أكثر ممّا ذُكر في الإحصاءات الرسمية". ويؤكد أنّ "الوصول إلى المناطق النائية صعب جداً أو غير ممكن في بعض الأحوال".