عيد السودان.. موسم التواصل خربته الأوضاع الاقتصادية

18 يوليو 2015
للعيد نكهةٌ أُخرى (Getty)
+ الخط -
تمثل الأعياد في السودان موسماً لتلاقي الأسر التي قد تنقطع عن بعضها طيلة الأشهر الأخرى، بسبب ظروف العمل والتعليم التي تجبر معظمهم للانتقال للعاصمة حيث الجامعات والخدمات وفرص العمل، بالمقارنة بالولايات والمناطق الأخرى.

يبدأ السودانيون التجهيزات للعيد قبل فترة عبر إعداد النساء في المنازل للخبائز، ويشكل الكعك والبسكويت اللذان يصنعان بطريقة احتفالية داخل المنزل أساس العيد وفرحته.

وفي صباح العيد تتبارى النساء في تزيين المنازل لإظهارها بابهى صورة، لتفتح الأبواب عقب صلاة العيد مباشرة لاستقبال الجيران. وليس بالضرورة أن يستقبل رب الأسرة المعيدين من رجال الجيران، لأنهم يكونون منشغلين بالمعايدة، فتستقبلهم النساء وتقدم لهم الحلوى والخبائز. ويعمد السودانيون في أول ايام عيد الفطر، بخاصة في الاحياء الشعبية، لتناول وجبة الإفطار مع الجيران في الشارع، حيث تفرش "البروش على الأرض". ويخرج الرجال من المنازل وبمعية كل منهم طعامه المخصص ليأكلوا سوياً.

هذا كان قديماً، أما اليوم فبدت ملامح العيد في الخرطوم تتغير وإن كانت ما زالت محافظة على رونقها التكافلي الاجتماعي في الريف. وتحولت الأعياد الى يوم عادي بعد ان خفت زيارات الجيران صباح العيد للتهاني. وبدأت الشكوى تكثر عن فقدان معظم السودانيين لطعم العيد لغياب مميزاته، لتخفت الاحتفالات بالعيد وينتهى بصلاة العيد التي يحرص السودانيون على ادائها في ساحات الميادين بالزي القومي.

تقول فاطمة "العيد فقد طعمه ليس كما كان سابقاً، فبعد صلاة العيد لا تحس ان هناك عيداً، فنادرا ما تجد احداً من الجيران يطرق بابك ليهنئك بالعيد، والكل مغلق بابه عليه حتى الأهل اوقفوا الزيارات التي كنت نتظرها من عيد لآخر". وتضيف "لم نعد نجتهد حتى في الاعتناء بالمنزل كما كان سابقاً لاننا على يقين أنه يوم عادي ولا جديد".

اقرأ أيضاً: أغنيات العيد: بين البيارق والأنوار

أما رابية فتقول: "انا أحرص على ان أقضي اجازة العيد بمسقط رأسي بولاية الشمالية لأن للعيد هناك طعماً خاصاً، فما زالت حرارة التلاقي بين الاهل والجيران تحتفظ برونقها وتحس بفرحة العيد في عيون الجميع، باستثناء العاصمة التي يكون فيها العيد يوماً عادياً".

ويرى باحثون اجتماعيون أن ضغوط الحياة المعيشية والأزمة الاقتصادية، تؤثر بشكل أساسي على الحياة الاجتماعية وتغير في كثير من انماطها سلبا أو إيجابا. ويقول الخبير الاجتماعي، وحيد محمد، إن تغييراً كبيراً تم في الاحتفال بالعيد على المستوى الأسري والعام الذي كان تواصل الأجيال والزيارات المتبادلة مع الاهل والجيران سمته الأساسية. وأرجع ذلك للعوامل الاقتصادية التي تحد من حجم التحرك والعلاقات في ما يتصل بالأسر الكبيرة والممتدة.

ويوضح: "التحرك من منطقة لأخرى أصبح مرهقاً للمواطن الذي يفضل خلال العيد الخروج الى الحدائق العامة للترفيه ليقضي بقية أيام العطلة في المنزل بدلا من الزيارات المكلفة". وفي ما يتصل بالتواصل مع الجيران يقول وحيد: "قديما التواصل بين الجيران كان مفتوحا وسهلاً، لكن بسبب الظرف الاقتصادي انغلق الجميع والكل اصبح يعيش على قدر حاله". واضاف "كما ان لعامل العولمة دوراً كبيراً في التراجع، إذ انكفأ الجميع على الأجهزة الحديثة، حتى إنك تجد أناساً في حي واحد لا يتعارفون. حتى إن المشاكل البسيطة بين الجيران التي كانت تحل وديا انتقلت الآن للقضاء بسبب التباعد الاجتماعي".

في ايام العيد تتحول الخرطوم إلى مدينة هادئة فتخفت فيها أضواء المنازل التي يغادرها معظم سكانها الوافدين من الولايات المختلفة لقضاء عطلة العيد مع اسرهم وأقاربهم بمسقط رأسهم. ويبدأ الوافدون الى العاصمة رحلة العودة عادة قبل يومين من عطلة العيد لتعج بهم الموانئ المخصصة للسفريات. وتعمد شركات الحافلات في الأعياد عادة لزيادة تعرفة المواصلات بنسبة 25%، باعتبارها موسماً تحقق خلاله أرباحا تفشل في تحقيقها في الأيام الأخرى.

اقرأ أيضاً: ليالي العيد.. في عواصم عربية
المساهمون