التلفزيون المغربي: الرحلة لا تزال في بدايتها

16 أكتوبر 2019
انتقادات مستمرة للقناتين الحكوميتين (عبد الحق سنّا/فرانس برس)
+ الخط -
"الحلاقم" كلمة مغربية تعني حرفياً "مرض اللوزتين"، وهي وصف ساخر يتداوله المغاربة لوصف القناتين الأولى والثانية التابعتين للتلفزيون الرسمي الحكومي اللتين احتلتا المشهد الإعلامي منذ عرف المغاربة التلفزيون. لكن الوضع بدأ يتغير في السنوات الأخيرة مع دخول القنوات الخاصة على الخط من خارج الحدود، واقتراب بثّ أخرى من داخل الأراضي المغربية.

قصة البداية
عرفت المملكة المغربية في الخمسينيات تجربة أولى مع الشركة الفرنسية "تيلما" التي كانت ترى في الجالية الأوروبية المقيمة في المغرب جمهوراً مهماً. في 1951، تم تسليم رخصة الاستثمار والإذاعة إلى "تيلما" التي لم تبدأ البث إلا في 1954. افتتحت القناة الوطنية المغربية يوم 3 مارس/آذار عام 1962 غداة الاستقلال، بالأبيض والأسود، ولم يتم إدخال الألوان إلا في سنة 1972.
في أكتوبر/تشرين الأول 1966، أصبحت الإذاعة المغربية مؤسسة حكومية، وفي 1978، أصبحت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة (مؤسسة التلفزيون الرسمي) ملحقة بالإدارة المركزية لوزارة الاتصال.
أما القناة الثانية، المعروفة اختصاراً بـ2M فقد انطلقت رسمياً في 4 مارس/آذار 1989، وكانت أول قناة خاصة قبل أن يبدأ مسار تأميم القناة في 1997.
وصارت القناة الثانية منذ أواخر التسعينيات، الأولى من حيث نسب المشاهدة بين القنوات المغربية، متفوقةً على أختها الكبرى الأقدم "الأولى".
وأنجب التلفزيون العمومي المزيد من القنوات التي لم تحظَ بالكثير من النجاح أمام القناة الثانية، بينها القناة الدينية السادسة، القناة الثقافية الرابعة، قناة "المغربية" العامة الموجهة للجالية المغربية في العالم، القناة السابعة للأفلام، والثامنة الأمازيغية، بالإضافة إلى الرياضية التي تحظى بمشاهدات أهم قليلاً بفضل نقلها للمبارات الرياضية المحلية.

مشاهدات هامة وانتقادات كثيرة
دائماً ما تثير قناتا التلفزيون الرسميّتان الكثير من الجدل في الرأي العام المغربي. إذ تنتقدها التقارير باستمرار واصفةً عدداً من برامجها بالرديئة، وتعتبر الأخيرة سبباً في هجرة المغربي نحو القنوات الفضائية العربية، لكنّ القنوات تدافع عن نفسها بعدد المشاهدات.
وكمثال على ذلك، شاهد المغاربة "سامحيني" لسنوات طويلة، وهو مسلسل تركي مدبلج إلى اللهجة المغربية. المسلسل طاولته الكثير من الانتقادات بسبب تدني مستواه في نظر المنتقدين، وطوله، و"مطّ" الأحداث فيه، بالإضافة إلى ما يراه الرافضون دعماً للإنتاج الأجنبي على حساب المغربي. لكن الأرقام تقول إن "سامحيني" ظل حتى نهايته البرنامج الأكثر مشاهدةً على شاشة التلفزيون المغربيّ وفقاً لمؤسسة الإحصاء "ماروك ميتري"، بحيث وصل عدد المشاهدات إلى قرابة 9 ملايين مشاهد يومياً، وبلغ معدل مشاهدته 70.8 في المائة.
وتزداد الانتقادات بكثافة خلال شهر رمضان، إذ تهاجم الصحافة ومواقع التواصل إنتاجات رمضان في القناتين وتصفها بالرديئة، خصوصاً برامج المقالب التي لطالما وُصفت بالمفبركة وذات الإخراج الرديء. في المقابل تقول الأرقام إن برنامج المقالب "مشيتي فيها" مثلاً حقق أكثر من 13 مليون مشاهد، وهو رقم كبير جداً بمقاييس المشاهدات في المغرب.

القنوات الخاصة: تجارب أولى
يمكن تقسيم ظهور القنوات الخاصة إلى مرحلتين، مرحلة أولى ظهرت فيها قنوات في سياق خاص جداً، وكانت قليلة الاستمرار أو قليلة الانتشار، ثم المرحلة الحالية التي عرفت تزايداً دراماتيكياً لم يشهده المغرب من قبل.
كانت أولى التجارب تتلخص في "تيلما"، القناة الثانية، وكذلك "ميدي 1 تي في". دخلت القناتان الأوليان إلى سلطة الدولة وصارتا جزءاً من التلفزيون الحكومي، بينما كانت لـ"ميدي 1 تي في" تجربة ذات سياق أكثر خصوصية.
تم إنشاء قناة "مدي 1 تي في" من قبل السلطات الفرنسية والمغربية لتعزيز الثقافات الفرنسية - المغربية والمغاربية تحت اسم "مدي 1 سات" في 1 ديسمبر/كانون الأول 2006. وكان 56 في المائة من المساهمين مغاربة (اتصالات المغرب وصندوق الإيداع والتدبير)، و30 في المائة لمساهمين فرنسيين، و14 في المائة لإذاعة "ميدي 1".
أصبحت القناة بعد سنتين مغربية تماماً، وذلك بعد الإعلان عن شراء أسهم الفرنسيين من قبل صندوق الإيداع والتدبير، وهو الصندوق المالي الرسمي الحكومي، ما يعني أن القناة صارت حكومية بشكل غير مباشر، قبل أن تحصل على تدفق مالي بقيمة 800 مليون درهم مغربي من مجموعتي "نيكست إنفستمنت" و"سايد ميديا" الإماراتيتين، ما منحهما حصة الأغلبية فيها (الدرهم المغربي يساوي 0.10 دولار أميركي).
ولم يكن لـ"ميدي 1 تي في" حضور كبير مقابل منافس مثل "دوزيم" مثلاً. إذ أوردت دراسة أجريت عام 2017 أن القناة حققت نسبة مشاهدة بلغت 4.9 في المائة، مقابل 64 في المائة للقناة الثانية و23.9 في المائة لباقي قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة خلال رمضان من نفس العام مثلاً.

أزمة الإعلانات
لطالما ظلّت السلطات المغربية متحفّظة حول منح التراخيص للقنوات التلفزيونية للبث من داخل المغرب بمبرر مخاوف من انهيار سوق الإعلانات وضرورة الحفاظ على استقرار المؤسسات الإعلامية الحكومية. تستحوذ القنوات المغربية الحكومية على سوق الإعلانات، لكن هذه السوق تعرف تغييرات تفرضها تطورات التكنولوجيا.
وعام 2016، تراجعت حصة القنوات التلفزيونية المغربية من ميزانيات الشركات المغربية الموجهة إلى الإعلانات من 45 في المائة إلى أقل من 30 في الامئة. وجاءت هذه النتائج عقب تراجع معدلات متابعة المشاهدين، وانتقالهم نحو مواقع التواصل، و"غوغل"، والمواقع الإخبارية على الإنترنت.
"الجمعية المغربية للتسويق والاتصال" ربطت آنذاك بين تراجع أرباح التلفزيون المغربي وتراجع المشاهدات، لكنها ربطته أيضاً بعدم دخول قنوات جديدة إلى الساحة الإعلامية في المغرب.
وفي 2018، قال رئيس "التجمع المهني للمعلنين المغاربة"، منير الجازولي، إن التلفزيون المغربي هيمن على أكبر حصة من الاعلانات بنسبة 37.6 في المائة. وأوضح الجازولي في تصريحات للإعلام المحلي أن القنوات التلفزيونية ما زالت تجتذب المعلنين، لكنها تعاني من ضعف الابتكار والتجديد.
طفرة التراخيص داخل المغرب
عرف المشهد التلفزيوني المغربي قفزة كبرى في الطفرة غير مسبوقة من خلال منح "الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري" "الهاكا" ترخيص بث من داخل التراب المغربي لمجموعة من المؤسسات الإعلامية. وبعدما كانت "شدى تي في" تُبث من الأراضي الأردنية، حصلت القناة الموسيقية الخاصة الآن على ترخيص للبث من الأراضي المغربية.
وحصلت "هيت راديو" على رخصتين لبث قناتين تلفزيونيتين عبر القمر الاصطناعي من داخل المغرب، الأولى هي قناة مخصصة للأطفال، والثانية ستكون قناة تلفزيونية وثائقية، ومن المتوقع إطلاقهما نهاية 2019.
وكشفت تقارير محلية أن الهيئة وافقت، مبدئياً، على الترخيص لقناة تلفزيونية رياضية، تابعة لـ"راديو مارس"، في انتظار التوقيع النهائي على ترخيص القناة التي سوف تحمل اسم "مارس تي في".
ويشترط القانون المغربي الحصول على ترخيص من "الهاكا" التي تتولى منح الترددات للمؤسسات بتنسيق مع "الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات". ويعني هذا أن المغاربة باتوا على موعد مع عدد قنوات تلفزيونية لم يشهدوها من قبل، يتسع المشهد الإعلامي بعد طول انتظار لكن في وقت قد يكون متأخراً، إذ بينما تنتقل القنوات إلى عدد أكبر، ينتقل المزيد من المشاهدين إلى الإنترنت متخلين عن التلفزيون التقليدي.

تجارب من خارج الحدود
منذ عام 2002، دخل المغرب في ما بات يسمى بسياسة تحرير القطاع السمعي البصري. من بين نتائجه، عام 2006، منح "الهاكا" عشرة تراخيص جديدة لإطلاق خدمات إذاعية، وترخيصاً واحداً لتلفزة تبث عبر القمر الاصطناعي من التراب الوطني.
لكنّ الهيئة لم تمنح تراخيص لمحطات تلفزيونيّة خاصة أخرى، وكانت أبرز الحجج هي مخاوف من انهيار سوق الإعلانات وضرورة الحفاظ على استقرار المؤسسات الإعلامية الحكومية. وأمام هذا الأمر الواقع، قرّر رجال إعلام مغاربة، قبل سنوات قليلة فقط وفي فترة متأخرة، إطلاق قنواتهم الخاصة من خارج التراب المغربي.
وكانت أبرز التجارب قناتا "تيلي ماروك" و"شدى تي في". انطلقت قناة "تيلي ماروك" من العاصمة الإسبانية مدريد عام 2017، وهي قناة عامة أساسها الصحافي المغربي المعروف، رشيد نيني.
وفي حين لا توجد أرقام حول نسب مشاهداتها، إلا أنّها بدت قياسية في "يوتيوب". لكن صعود نجم برامج القناة تلته الكثير من الضجة بسبب جرأتها وخوضها في مواضيع مثيرة للجدل، واضطر الغضب مثلاً على برنامج حواري كانت تقدمه الصحافية بشرى الضو إلى توقيفه. وفي العام نفسه، أعلنت الشركة المالكة لإذاعة "شدى إف إم" المغربية عن إطلاق قناة تلفزيونية فضائية موجهة للمغاربة والعالم العربي تحمل اسم "شدى تي في" وتبث من الأراضي الأردنية. القناة ركزت على برامج الموسيقى والكليبات واختارت نقل تجربتها القديمة في المنوعات من الراديو للتلفزيون، ولاحقاً حصلت على ترخيص بالبث من المغرب.
لكن "شدى تي في" بدورها لم تسلم من الأزمات، إذ بالإضافة إلى جودة البرامج التي تظهر ضعيفة الميزانية من حيث الديكور والتصوير، تعرضت أخيراً لتوقيف برنامج The Kotbi Tonight لثلاثة أسابيع بعد تصريحات المغني الشعبي عادل الميلودي، الذي دعا خلال ظهوره على القناة إلى تعنيف المرأة، قائلاً إن "من لا يضرب زوجته ليس رجلاً، وإن من حق كل رجل أن يضرب زوجته أو يفعل بها ما يشاء".

دلالات