منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، ظلّ الإعلام المرئي المغربي في يد الدولة. تمنح له شرعيته وتصنع له خطابه. حتى الإعلام المكتوب الخاص، تدعمه الدولة بشكل من الأشكال، فلا يخرج عن التهليل والتطبيل، مكتفياً بتقديم تغطيات قصيرة مُرتبكة لأنشطة ومشاريع سياسية فارغة من المحتوى.
وبغياب هذه الاستقلالية المهنية داخل الإعلام المغربي المرئي خاصة، بات هناك تضخمّ في عدد التغطيات التي تخصّ الدولة مقارنة مع أنشطة ثقافية أخرى. على سبيل المثال تجاهل الإعلام المحلي تماماً إلقاء المفكر المغربي عبد الله العروي درساً افتتاحياً لكرسي الترجمة والتأويل في جامعة محمد الخامس في الرباط (وهو أكبر حدث ثقافي شهدته هذه السنة)، بينما تجندت كل القنوات للقاء الفنانة دنيا بطمة، وهو ما أثار غضباً كبيراً داخل صفحات التواصل الاجتماعي، بسبب عدم الموازنة في المحتوى.
لم يستوعب بلد تقليدي مثل المغرب بعد، طبيعة وشكل ونمو المجتمعات العربية اليوم، وحاجتها إلى حرية الرأي والتعبير، منذ بدايات الربيع العربي، وتزايد رغبة المدونين على صفحات التواصل الاجتماعي في إبداء آرائهم في جملة من الأحداث السياسية والاجتماعية التي طاولت البلد منذ 2011. لكن للأسف تغييرات جذرية مسّت جميع الميادين باستثناء الإعلام المرئي الحكومي متناسياً ضرورة ضخ دماء جديدة في شرايينه من خلال التحاور والتشارك مع مستثمرين جدّد.
فرغبة الدولة في احتكار هذا القطاع، جعلت العديد من هؤلاء المستثمرين يعملون على إطلاق قنواتهم الخاصّة من خارج البلد مثل قناة "تيلي ماروك" التي تبث برامجها عبر الأقمار الاصطناعية من مدينة مدريد في إسبانيا، بسبب عدم توفير رخص إطلاق القنوات من داخل المغرب، مخافة من انهيار وتداعي سوق الإعلان المُحتكر من الإعلام الرسمي/الحكومي.
اقــرأ أيضاً
وعن قضية القنوات الخاصّة ومدى قدرتها على تحرير الإعلام المرئي، يعتبر الإعلامي محمد معتصم في تصريح خاصّ لـ"العربي الجديد" أن وتيرة "الاحتجاجات والانتقادات الموجهة إلى القنوات التلفزيونية الرسمية ستستمر ما دامت هناك آذان غير صاغية لا تتجاوب مع مطالب المواطنين من مختلف مشاربهم الاجتماعية والثقافية والذين يرغبون ــ إن لم نقل يحلمون ــ بقنوات إعلامية مختلفة، بتعدد وتنوع برامجها وتخصصات منتوجها الفكري والفني والترفيهي". ويضيف "قنوات عمومية (رسمية) تحتكر فيها الدولة وتهيمن على برامجها وأنشطتها وتنهج سياسة التعتيم على المواطنين من خلال عدم تزويدهم بالمعلومات والحقائق بخصوص العديد من الأخبار التي تقع داخل المغرب، ما يجعل هذا المواطن تائهاً بين قنوات عربية وأخرى غربية بحثاً عن حقائق ومعرفة ما يجري في المغرب. هذا المعطى الخطير يزداد سوءًا في غياب قنوات إعلامية خاصة تخلق المنافسة ويتنوع فيها العرض وتطور فعل الجودة. مع فتح للمشاهد حرية اختيار ميوله الفكرية والثقافية والفنية والرياضية، وإعادة الثقة في المنتوج المحلي الذي أصبح ينتج برامج أقل ما نقول إنها رديئة وغير مقنعة ولا ترقى الى انتظارات المشاهد المغربي الذي أصبح يبحث عن التميز في برامج وجدها في قنوات إعلامية عربية وغربية".
وعن غياب القنوات التلفزيونة الخاصة ولماذا ظلت القنوات الرسمية هي المهيمنة على المشهد الاعلامي المغربي، يجيب محمد معتصم أن "المغرب اليوم لديه هيئة عليا للاتصال السمعي البصري "الهاكا" وقد أسند اليها قانونياً تنظيم القطاع ومنح رخص إنشاء قنوات إعلامية خاصة طبعاً وفق شروط دقيقة مسطرة قانونياً، لكن لماذا لم يتم تفعيل هذا المعطى وبقيت قابعة أي "الهاكا" في زاوية المتفرج، وغير قادرة على إعطاء المستثمرين رخص إنشاء قنوات خاصة تعزز القطاع السمعي البصري. نحن أمام إشكالية خاصة تتطلب منا البحث عن أسباب هذا العجز في اتخاد القرار والذي يضع الهيئة العليا في قفص الاتهام والإخلال بمسؤوليتها تجاه المواطن المغربي، ولماذا لا تحذو الدولة حذو دول بالجوار استطاعت تبني التعددية ومنحت المشاهد حرية اختيار ما يروقه ويلبي طلباته".
اقــرأ أيضاً
لكنْ للصحافية المغربية سكينة بنزين، رأيّ آخر، إذ ترى أنّ الترويج لكون الإعلام الخاصّ سيساهم في تحرير الإعلام المغربي فيه "الكثير من الضبابية التي تغفل فتح قوس على مفهوم استقلالية المتربط برأس المال المحرك لهذا الإعلام". وتؤكد على أن هنالك تحاملا كبيرا على ما هو "رسمي". لكنها مع ذلك تُشدّد على أن الإعلام المرئي الخاص يظل "تبعاً للتجارب المتاحة اليوم، جسراً لعبور "المحظور" الذي يحاول الإعلام الرسمي جاهداً "إعادة تدويره" إن صح التعبير أو القفز فوق بعض محطاته.
تبدو طروحات بنزين صحيحة، خاصة أمام الكم الهائل من السلع الترفيهية التي تم تسويقها إلى المشاهد المغربي في شهر رمضان قبل أيام، وهي في مجملها لم تخرج عن الخط الترفيهي الذي وسم التلفزيون الرسمي منذ الثمانينيات، مقارنةً بنجاعة الإعلام المرئي الخاصّ الذي أثبت في أكثر من دولة عربية عن قدرته على اجتراح لغة بصرية جديدة أكثر ارتباطاً بالواقع المغاربي أمام الحراك السياسي والاجتماعي والحقوقي الذي طاول هذه البلدان.
وتختم بنزين حديثها إلى "العربي الجديد" قائلةً "على الرغم من الانتقادات الشديدة التي تعتبر أن هذا الأسلوب لم يعد يخدم مشاهد اليوم، يفضل البعض الاحتماء بلغة الأرقام التي تكشف حجم التناقض الحاصل بين كلام منتقدي"الرداءة"، والمقبلين عليها. وكمثال بسيط المشاهدات اليومية لمسلسل مدبلج تصل إلى 9 ملايين مشاهدة يومياً.
لم يستوعب بلد تقليدي مثل المغرب بعد، طبيعة وشكل ونمو المجتمعات العربية اليوم، وحاجتها إلى حرية الرأي والتعبير، منذ بدايات الربيع العربي، وتزايد رغبة المدونين على صفحات التواصل الاجتماعي في إبداء آرائهم في جملة من الأحداث السياسية والاجتماعية التي طاولت البلد منذ 2011. لكن للأسف تغييرات جذرية مسّت جميع الميادين باستثناء الإعلام المرئي الحكومي متناسياً ضرورة ضخ دماء جديدة في شرايينه من خلال التحاور والتشارك مع مستثمرين جدّد.
فرغبة الدولة في احتكار هذا القطاع، جعلت العديد من هؤلاء المستثمرين يعملون على إطلاق قنواتهم الخاصّة من خارج البلد مثل قناة "تيلي ماروك" التي تبث برامجها عبر الأقمار الاصطناعية من مدينة مدريد في إسبانيا، بسبب عدم توفير رخص إطلاق القنوات من داخل المغرب، مخافة من انهيار وتداعي سوق الإعلان المُحتكر من الإعلام الرسمي/الحكومي.
وعن قضية القنوات الخاصّة ومدى قدرتها على تحرير الإعلام المرئي، يعتبر الإعلامي محمد معتصم في تصريح خاصّ لـ"العربي الجديد" أن وتيرة "الاحتجاجات والانتقادات الموجهة إلى القنوات التلفزيونية الرسمية ستستمر ما دامت هناك آذان غير صاغية لا تتجاوب مع مطالب المواطنين من مختلف مشاربهم الاجتماعية والثقافية والذين يرغبون ــ إن لم نقل يحلمون ــ بقنوات إعلامية مختلفة، بتعدد وتنوع برامجها وتخصصات منتوجها الفكري والفني والترفيهي". ويضيف "قنوات عمومية (رسمية) تحتكر فيها الدولة وتهيمن على برامجها وأنشطتها وتنهج سياسة التعتيم على المواطنين من خلال عدم تزويدهم بالمعلومات والحقائق بخصوص العديد من الأخبار التي تقع داخل المغرب، ما يجعل هذا المواطن تائهاً بين قنوات عربية وأخرى غربية بحثاً عن حقائق ومعرفة ما يجري في المغرب. هذا المعطى الخطير يزداد سوءًا في غياب قنوات إعلامية خاصة تخلق المنافسة ويتنوع فيها العرض وتطور فعل الجودة. مع فتح للمشاهد حرية اختيار ميوله الفكرية والثقافية والفنية والرياضية، وإعادة الثقة في المنتوج المحلي الذي أصبح ينتج برامج أقل ما نقول إنها رديئة وغير مقنعة ولا ترقى الى انتظارات المشاهد المغربي الذي أصبح يبحث عن التميز في برامج وجدها في قنوات إعلامية عربية وغربية".
وعن غياب القنوات التلفزيونة الخاصة ولماذا ظلت القنوات الرسمية هي المهيمنة على المشهد الاعلامي المغربي، يجيب محمد معتصم أن "المغرب اليوم لديه هيئة عليا للاتصال السمعي البصري "الهاكا" وقد أسند اليها قانونياً تنظيم القطاع ومنح رخص إنشاء قنوات إعلامية خاصة طبعاً وفق شروط دقيقة مسطرة قانونياً، لكن لماذا لم يتم تفعيل هذا المعطى وبقيت قابعة أي "الهاكا" في زاوية المتفرج، وغير قادرة على إعطاء المستثمرين رخص إنشاء قنوات خاصة تعزز القطاع السمعي البصري. نحن أمام إشكالية خاصة تتطلب منا البحث عن أسباب هذا العجز في اتخاد القرار والذي يضع الهيئة العليا في قفص الاتهام والإخلال بمسؤوليتها تجاه المواطن المغربي، ولماذا لا تحذو الدولة حذو دول بالجوار استطاعت تبني التعددية ومنحت المشاهد حرية اختيار ما يروقه ويلبي طلباته".
لكنْ للصحافية المغربية سكينة بنزين، رأيّ آخر، إذ ترى أنّ الترويج لكون الإعلام الخاصّ سيساهم في تحرير الإعلام المغربي فيه "الكثير من الضبابية التي تغفل فتح قوس على مفهوم استقلالية المتربط برأس المال المحرك لهذا الإعلام". وتؤكد على أن هنالك تحاملا كبيرا على ما هو "رسمي". لكنها مع ذلك تُشدّد على أن الإعلام المرئي الخاص يظل "تبعاً للتجارب المتاحة اليوم، جسراً لعبور "المحظور" الذي يحاول الإعلام الرسمي جاهداً "إعادة تدويره" إن صح التعبير أو القفز فوق بعض محطاته.
تبدو طروحات بنزين صحيحة، خاصة أمام الكم الهائل من السلع الترفيهية التي تم تسويقها إلى المشاهد المغربي في شهر رمضان قبل أيام، وهي في مجملها لم تخرج عن الخط الترفيهي الذي وسم التلفزيون الرسمي منذ الثمانينيات، مقارنةً بنجاعة الإعلام المرئي الخاصّ الذي أثبت في أكثر من دولة عربية عن قدرته على اجتراح لغة بصرية جديدة أكثر ارتباطاً بالواقع المغاربي أمام الحراك السياسي والاجتماعي والحقوقي الذي طاول هذه البلدان.
وتختم بنزين حديثها إلى "العربي الجديد" قائلةً "على الرغم من الانتقادات الشديدة التي تعتبر أن هذا الأسلوب لم يعد يخدم مشاهد اليوم، يفضل البعض الاحتماء بلغة الأرقام التي تكشف حجم التناقض الحاصل بين كلام منتقدي"الرداءة"، والمقبلين عليها. وكمثال بسيط المشاهدات اليومية لمسلسل مدبلج تصل إلى 9 ملايين مشاهدة يومياً.