لكن وتيرة الانتقادات الساخرة من الرئيس المقيم خارج اليمن بلغت ذروتها بعد خروج الملكة إليزابيث البالغة من العمر 93 عاماً لمخاطبة البريطانيين يوم الأحد الماضي، حين قالت لشعبها: "نواجه هذا المرض معاً، وأود التأكيد لكم أننا إذا ظللنا متحدين وصامدين فسنتغلب عليه". وأضافت: "سنلتقي مرة أخرى، والأيام الأفضل ستعود من جديد". وبطبيعة الحال، لم يكن لهذا الخطاب أن يمرّ بسهولة على أهل اليمن في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد بلغ أكثرهم مرحلة اليأس في انتظار حرف أو كلمة يقولها الرئيس الشرعي لجمهوريتهم.
وفي هذا السياق، كتب الصحافي والأديب عبد الرحمن بجاش، رئيس التحرير السابق لجريدة "الثورة" الرسمية على "فيسبوك" تدوينة، مطالباً بأخذ ما ورد فيها على محمل الجد وهو يقوم بالتعليق على خطاب الملكة البريطانية ومقارنته بغياب الرئيس هادي. وتساءل بجاش قائلاً: "فيروس كورونا جعل الملكة إليزابيث تلقي خطابا في الانكليز، فاللحظة قاسية جداً، ومعظم الرؤساء وجهوا لشعوبهم خطابات أو أي شكل من أشكال الدعم لإظهار إحساسهم بالمسؤولية. الرئيس هادي، صمته الذي يفلق الحجر، ما سره؟ هل صمته حكمة؟ هل هناك سر ما؟ هذا الرجل صامت إلى درجة الوجع. لماذا؟". وهي التدوينة التي تفاعلت معها الناشطة النسوية وداد البدوي، كاتبة تعليقها: "عاد (لسه) الرئيس هادي مش عارف إن الكورونا قد قلب العالم، لا يتابع أخبار ولا هو داري (لا يعرف)، ولا يهمّه. مرّت عاليمن أصعب من كورونا وهو ولا خرج يكلمنا ويطمّنا عليه".
Facebook Post |
لكن مسألة النقاشات المُنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لم تتوقف عند حالة كورونا وصمت الرئيس اليمني حيالها، بل امتدت لتصل كوارث أُخرى إلى العاصمة اليمنية الجنوبية المؤقتة عدن وما صار فيها من سيول وأمطار كارثية قامت بتدمير العديد من بيوت الناس وتعطيل حياتهم. وهنا كتب الصحافي خالد سلمان، الذي كان رئيساً لجريدة "الثوري" الناطقة بلسان الحزب الاشتراكي اليمني، والمقيم حالياً في بريطانيا بعد طلبه اللجوء إلى هناك في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح: "نحن منكوبون بثلاثة: رئيس نائم، حزب حاكم فاسد، وحكومة عن معاناة الناس غائبة. عدن تغرق".
بدوره كتب الصحافي اليمني الذي يوجد في سويسرا صدام أبو عاصم: "ألف سلامة لعدن وأهلها. التافهون سيتنصلون من التزاماتهم إزاء أزمة السيول وعند الكوارث بشكل عام، لكنهم حينما تكون متعافية يتسابقون فقط على خيراتها".
يبدو، والحالة هذه، أن كل الأسهم واضحة تجاه "الرئيس النائم"، سواء من الصحافيين المقيمين في اليمن أو من الذين تركوا البلاد هرباً من نظام علي صالح أو من سلطة الأمر الواقع الحوثية (جماعة أنصار الله) في صنعاء. تبدو الغالبية في حالة إجماع على خطورة حالة الغياب التي تحضرها صورة الرئيس الشرعي هادي. غالبية الأصوات تقول إن صوته لا يطلع حتى في أصعب الأوقات اليمنية.
لكن هناك مسألة قد يصعب تفسيرها في قلب هذه الجائحة التي تحاصر العالم. الرئيس لا يقول كلمة واحدة تجاه شعبه. كأنه يترك الأمر للتلفزيون الرسمي الذي يبقى طوال اليوم يبث أغانيَ تفخيمية في حق الرئيس الصامت، ويتغنّى بانتصاراته والمجد الذي حققه. مع ضرورة التذكير بأن رئاسة جهاز الفضائية اليمنية التي تبث من العاصمة السعودية الرياض هي نفسها التي كانت تعمل على تمجيد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح في زمن حكمه وقامت اليوم بنقل مهامها من جهته إلى ناحية هادي.
من هنا يظهر جيداً أن العقلية ذاتها هي القائمة إلى اليوم وبجهد كبير، في تمجيد صورة "الزعيم" نفسه مع تغيير الأسماء والأشكال. مع ضرورة التذكير هنا بأن الرئيس هادي أعاد تعيين غالبية رجال صالح في جهازه السياسي والحكومي ولا كأن ثورة قامت ضد صالح نفسه!