الصحافي المعتقل حسن البنا: ألا يعد تدمير مستقبلي خسارة مباشرة لمصر؟

06 مارس 2019
حسن البنا معتقل منذ عام (تويتر)
+ الخط -
تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي رسالةً مسرّبة من الصحافي المتدرب حسن البنا الذي أخفي قسرياً، رفقة الباحث في المركز الإقليمي للحقوق والحريات، مصطفى الأعصر، في 4 فبراير/ شباط 2018، إلى أن ظهرا معاً في نيابة أمن الدولة بعد 13 يوماً، والتي أصدرت قرارها بحبسهما على ذمة التحقيق في القضية رقم 441 لسنة 2018.

واستهلّ البنا رسالته بالتساؤل: "في ماذا كل هذا الألم؟ لماذا يُساء إلينا دائماً؟ ولماذا نحن متهمون من حيث المبدأ؟ إلى من يمكنني أن أتحدث؟ وأن أخبره بأنني لست عدوا لك، وأنك تخطئ حين تراني بعين العدو، وتستبيحني كما يُستباح العدو؟"، مستطرداً "أنت ضابط الأمن في بلادي، وأنا مواطنك، أنت القاضي في بلادي، وأنا مواطنك... لمن يكون الأمن إن لم يكن لي؟ ولمن ينحاز القضاء إن لم ينحز لي؟!"

ويقول البنا: "لي رواية واحدة - قصيرة جداً - مللت من تكرارها لكني لا أملك غيرها لأحكيها... كنت في طريقي إلى العمل حين استوقفت قوة من الشرطة سيارة الأجرة التي كنت متواجداً بها، في مشهد معتاد، لا يستدعي التفكير في كونه أكثر من إجراء أمني روتيني، سينتهي بمجرد الكشف عن بطاقات الهوية الخاصة براكبي السيارة... غير أن القوة طلبت من صديقي (مصطفى الأعصر) النزول".

ويضيف في الرسالة: "سألوني هل أنتما معاً؟ فأجبت بنعم... سألوني ماذا تعمل؟ فأجبت صحافي... سألوني هل معك كارنيه لنقابة الصحافيين؟ فأجبت بـ لا... فقالوا حسناً، فلتنزل مع صديقك!"، متابعاً "كان ذلك أسود يوم طلعت علي فيه الشمس ولا زالت لم تغرب عني... منذ يومها، وأنا مع صديقي في جهاز الأمن الوطني، وفي نيابة أمن الدولة، وأمام دوائر محكمة الجنايات".

ويزيد: "وفي كل تلك العوالم، رددنا معاً في كل مرة سُمح لنا بالحديث الرواية ذاتها، على مسامع كل من وقفنا أمامه: ضابط التحقيق ووكلاء النيابة والسادة القضاة.. يقول مصطفى: لم يكن حسن على علم بمشروع الفيلم الوثائقي (موضوع القضية)، ولا ذنب له إلا أنه صادف وجودنا معاً ساعة إلقاء القبض علي... وأقول أنا: هل في مصاحبة الصديق لصديقه ذنب؟".
ويستكمل البنا: "سنة كاملة مرت، وها هي الأخرى قد بدأت في النزيف... مئات الأيام ما بين خوف وألم، ولا أحد يعبأ بك... عمرك الذي يُستنزف، ووظيفتك التي فقدت، والمصاريف التي تُهدر، وحبيبتك التي تنتظرك، وعائلتك التي تتألم لغيبتك، وأصدقاؤك الذين يرعبهم أن يتصوروا أنفسهم في مكانك... هل يحتاج الأمر لأكثر من عام حتى يتسنى للتحقيقات أن تتوصل إلى حقيقة كونك سجيناً بالخطأ؟ سجيناً بالصدفة؟".



ويستدرك بالقول: "ألست مواطناً في هذا البلد؟ ألا يعد تدمير مستقبلي، وتخريب نفسيتي، خسارة مباشرة للبلد الذي أنتمي إليه؟ لماذا كلما تحدثت إلى أحد هنا نظر إلي نظرة اتهام واستخفاف؟ لماذا لا يستوعبون أننا مواطنون مثلهم تماماً، مصريون مثلهم تماماً، لنا حقوق مثلهم تماماً؟ لماذا أصلاً تُثير فيهم كلمات مثل مواطن، وحقوق، وقانون، حس السخرية والدعابة؟"

وأطلقت منظمات حقوقية مصرية على القضية 441 مصطلح "الثقب الأسود"، كونها بدأت بإدراج 9 متهمين من العاملين في المجال الصحافي أو الحقوقي (العدد ارتفع لاحقاً بانضمام متهمين جدد)، ينتمون لأيديولوجيات وتوجهات سياسية ودينية متباينة، ولا يجمعهم سوى اتهامات تتعلق بـ"نشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي للبلاد، والانضمام لجماعة أُسست خلافًاً للقانون والدستور".

ويقول البنا في رسالته: "لماذا لا يعبأ أحد بشعورنا الوطني، والضرر الذي قد يصيبه حين يتم اختطافك، وترويعك، واتهامك في انتمائك الوطني على أيدي سلطات بلادك، بلا مبرر، إلا أنك وقعت في طريقهم بالصدفة... ألا يلحظون أن ذلك يخالف رسالة وظيفتهم، ومعنى الوطنية التي يتهموننا فيها؟ لماذا الأمر سهل عليهم هذه السهولة، بينما هو يدمينا؟".

ويواصل: "حين تكون سجيناً بالصدفة، لم تكسر حتى إشارة مرور، سيصعب عليك السجن إلى الحد الذي يمنعك حتى من أن تستطيع معه إضفاء معنى على محبسك يعزيك... فلا أنت مقتنع أنك تدفع ضريبة على قضية ما، ولا أنت مدفوع بشعور باستحقاق العقاب والندم، من جراء إثم أو ذنب اقترفته يحملك على تقبل ما أنت فيه".

ويضيف البنا: "ألا يكفي من عمرك سنة كاملة لتصحيح سوء التفاهم إن كان الأمر كذلك؟ لتصويب مسار الصدفة، أو للتأديب إن كان يلزم تأديبك؟ أو للعقوبة إن كان يلزم عقابك؟ لماذا إذن كل هذا الاستقواء علينا؟ ألم يكن يكفي مجرد لفت النظر لأن مرافقة صديقك أثناء الذهاب للعمل أمر بهذه الخطورة؟ وإن لم يكن لفت النظر كافياً، فماذا عن الأحد عشر يوماً التي قضيتها معصوب العينين، مقيد اليدين، ملقى على الأرض؟ ماذا عن خمسة عشر يوماً إضافية في السجن؟ ثم شهر، فعدة أشهر، فعام كامل؟!".

ويتابع: "لقد كنت أنتظر من أمن بلادي ألا يفترض فيّ العداء مسبقاً، ومن نيابة دولتي ألا ترحب بتوجيه الاتهام إلي قبل ثبوت الدليل، ومن القضاء أن ينصفني، ويرد لي الاعتبار إن تجاوز أي منهم في حقي، ولم أزل أنتظر... ليس لأنني لا أملك شيئاً سوى الانتظار (رغم أنني بالفعل كذلك)، ولكن لأنه يشق علي أن أستوعب ألا يجد المرء من ينصفه من بين كل هؤلاء؟".
ويستدرك البنا: "أكتب إليكم، ولا أعرف لمن، وأنشر لأنني لا أعرف طريقة أخرى للتواصل، إذ لمن نحتكم إن لم نحتكم إليكم؟ ومن ينصفنا إذا خذلتمونا؟ ثمة خطأ ما، لا أعرف ما هو تحديداً، ولا أعرف كيف يمكن تصويبه، لكنه قطعاً يوجد... كل شيء هنا يدعو للكآبة والتطرف والموت... فإلى متى قد نصمد في مواجهة تلك الشرور مجردين من أي أمل؟ عزلاً من أي رجاء؟".

ويضيف في رسالته: "إننا بعد كل هذا الألم، واستسهال الاتهام في انتمائنا، ووطنيتنا، ومساواتنا بالمتطرفين، والمجرمين، وتجريدنا من أبسط حقوقنا، وإهانتنا، والتحقير من شأننا على مدار اليوم والليلة... لم ندخر لهذا الوطن حقداً، ولم نرب له في نفوسنا إلا كل أمنية طيبة، ولم ينتقص كل هذا الظلم من حقيقة انتمائنا له... وأننا لا نبغي شيئاً - أي شيء على الإطلاق - إلا حريتنا، والعودة إلا بلادنا التي هي خارج هذا السجن".

ويختم البنا قائلاً: "إن أعمارنا التي تستنزف هنا هي عمر هذا الوطن وحياته، وإلا فمن يحتد للبلاد يوم مصابها، إن لم نحتد لها نحن، ومن يرفع علمها يوم فرحها، إن لم نرفعه نحن... من ينتبه لأن الكأس قد فاضت عن آخرها، ومن يدفع من أجل كل هذا... من يطيب كل هذه الجراح، ومن يجبر كل هذه الكسور؟ نحن معنى هذا البلد، أمله وطاقته، فلا تدفعونا للكفر به، ولا تحرضونا على قتل أنفسنا... لا تضغطوا وطنيتنا أكثر من ذلك، ولا تزيدوا من اتساع الفجوة بيننا وبينكم... لا تقطعوا رجاءنا بكم، أو تغلقوا في وجوهنا الأبواب... خففوا علينا، وترفقوا بنا، فكم موجع أن تبصر الوطن في مقتبل شبابك، فلا تبصر منه إلا السجن!".
المساهمون