قوانين الإعلام الجديدة: جدلٌ تونسي مستمر

19 نوفمبر 2017
الجدل مستمر بين الهيئات الإعلامية التونسية (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
تتّفق الأطراف المعنيّة بوضع الصحافة في تونس على أنّ استكمال مسار الانتقال الديمقراطي الذي شرعت فيه تونس منذ سنة 2011 لن تكتمل معالمه إلا بقوانين منظمة للقطاع الإعلامي مبنية أساساً على حرية الصحافة باعتبارها العماد الأساسي لكلّ بناء ديمقراطي، لكنّها تختلف في تفاصيله، خصوصاً في القوانين المنظمة للإعلام السمعي البصري. 

فقد أعلن الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني، المهدي بن غربية، في بداية الأسبوع الماضي، أنّ قانوناً جديداً لتعديل الإعلام السمعي البصري سيعرض قريباً على مجلس الوزراء، وقبل نهاية 2017 على مجلس النواب للنظر فيه والمصادقة عليه أو تعديله، ليُعوّض المرسومين الحاليين 115 و116 المنظمين للقطاع الإعلامي، ويصبح بمثابة الدستور الصغير للإعلام التونسي.

لكنّ ذلك يطرح جدلاً مع "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا) التي أعدت هي الأخرى قانون حرية الاتصال السمعي البصري، وقامت بنشره، في خطوة استباقية، منذ أكثر من عام على موقعها، وطالبت الإعلاميين بإبداء الرأي فيه وتعديل بعض فصوله. ورأى بعضهم في تلك الخطوة "سياسة فرض الأمر الواقع على الحكومة التونسية وتقديم مشروع القانون باعتباره عملاً تشاركياً بين خبراء القانون و(هايكا) والصحافيين".

إلا أنّ هذا القانون لا يجد الرضا التام من قبل الحكومة التونسية التي أعدت هي الأخرى نصّاً قانونياً ستعرضه على البرلمان التونسي. وترجم هذا الجدل حالة من عدم الانسجام بين الطرفين، إذ سعى كلّ منهما إلى تمرير النص الذي أعدّه، وهو ما أكدته تصريحات رئيس "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري"، النوري اللجمي، في ندوة صحافية عقدت منذ أسبوع، حيث بيّن تلميحاً عند الحديث عن هذا القانون أنّ "الظروف التي تمر بها تونس صعبة وأن الانتقال الديمقراطي لم يكتمل بعد وأنه يوجد تعثر خطير ينذر بالرجوع إلى الوراء، خصوصاً في ما يتعلق بالحقوق والحريات"، مضيفاً أنّ "قنوات الاتصال مع وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان تعطلت لرغبة الوزارة في تجزئة القانون وتشتيت النصوص القانونية حتى تفقد فاعليتها وقد تفقد هايكا استقلاليتها ومجالات تدخلها".
وأجاب المهدي بن غربية عن تلك الهواجس عندما أكد أنّ "حكومة الوحدة الوطنية التي يمثّلها حريصة على إعداد القوانين المتعلقة بالهيئات الدستورية وتكريس علوية الدستور ودولة الحق والعدل والحريات وحقوق الإنسان"، داعياً إلى "عدم التشكيك في متانة المسار الديمقراطي في تونس وإلى الثقة في مؤسسات الدولة وهيئاتها".

تشكيك بدا في تصريحات عبرت عنها "النقابة الوطنية للصحافيين" و"الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (هايكا) التي رأت عضو مجلسها، راضية السعيدي، أنّه "لا توجد إرادة حقيقية لدى الحكومات التونسية المتعاقبة منذ سنة 2011 لإصلاح الإعلام"، مما يعني أن تمرير هذا القانون لن يتمّ دون توافق بين كل الأطراف المتدخلة في المشهد الإعلامي وهو ما حرص بن غربية على تأكيده بالقول إنّ "الحكومة تتفاعل بإيجابية مع الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري "هايكا" وبصدد التعاون معها في إعداد القانون الجديد للإعلام السمعي البصري".

ويبدو أنّ ذلك التفاعل لم يتحقق حتى الآن أو أنه دون مستوى التوقعات، وهو ما أكده هشام السنوسي عضو مجلس (هايكا) بقوله إن "الهيئة وصلتها مراسلة من قبل مصالح الإعلام والاتصال برئاسة الحكومة التونسية لا ترتقي شكلاً ولا مضموناً إلى مستوى الحدث".
تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين الحكومة التونسية و"هايكا" تمر بأسوأ مراحلها. إذ صرّح اللجمي سابقاً أنه لا توجد إرادة حقيقية من قبل الحكومة التونسية في إصلاح الإعلام السمعي البصري مستشهدًا بعدم التفاعل الإيجابي مع مقترح الهيئة، في ما يتعلق بقانون الاتصال السمعي البصري الذي تمّ إعداده من قبل الهيئة باستشارة عدد هام من الإعلاميين، وكذلك من خلال التخفيض في ميزانية هايكا لسنة 2018 بما يناهز 25 في المائة مقارنة بسنة 2017 وإلحاق ميزانيتها بميزانية وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان دون استشاراتها بل بفرض سياسة الأمر الواقع. واعتبر ما يحصل "تعثرًا خطيرًا ينذر بالرجوع إلى الوراء" في ما يتعلق بالحقوق والحريات التي نصّ عليها الدستور التونسي.

وشاركه السنوسي الرأي مؤكدًا أن الهيئة وصلتها مراسلات رسمية من المدير العام السابق للتلفزيون الرسمي التونسي تؤكد حجم الضغوطات التي تمارس عليه للتدخل في الخط التحريري للمؤسسة. وبيّن أن (هايكا) راسلت الحكومة التونسية مستوضحة، لكن الأخيرة تجاهلت الأمر.


المساهمون