الصحافيون اليمنيون... دروع بشرية

02 يونيو 2015
الخناق يشتدّ أكثر فأكثر (Getty)
+ الخط -
لا أثر حتى الآن للصحافي جلال الشرعبي الذي تجاوزت مدة اختطافه من قبل جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، أكثر من شهر. لا أثر للرجل باستثناء صوره المعلقة بحسابات زملائه على مواقع التواصل الاجتماعي.

لم تمرّ على الصحافيين أيام كهذه، لا بهذه الخطورة، ولا بهذا الرعب، منذ سيطرة الجماعة الدينية المسلحة المتحالفة مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي. وهو الخوف الذي عبرت عنه نقابة الصحافيين بالقول: "إن حياة الصحافيين أمست مهددة تهديداً وجودياً في اليمن". فمنذ سبتمبر/ أيلول الماضي، خاضت الجماعة حرباً واضحة ومدروسة ضد الحريات الصحافية، لم تتوقف عند حد إغلاق مكاتب الشبكات التلفزيونية أو الصحف أو حجب المواقع بل وصلت إلى خطف الصحافيين وقتلهم.

دروع بشرية

بدم بارد، عرّض الحوثيون حياة الصحافيين عبدالله قابل ويوسف العيزري للموت، عندما احتجزوهما في مبنى حكومي كانت الجماعة على علم بأنه معرض للقصف من قبل طائرات التحالف الذي تقوده السعودية.

وقضى الصحافيان اليمنيان، وهما مراسلان لمحطتي "بلقيس" و"سهيل" المعارضتين للحوثيين،
في قصف استهدف مبنى الرصد الزلزالي في منطقة هران بمحافظة ذمار (جنوب العاصمة). وكانت والدة قابل، قد روت أحداثاً سبقت مقتل نجلها عندما ظلت تتوسل للحوثيين إطلاق سراحه، إلا أنهم كرروا إنكارهم معرفة مكانه، حتى إنهم منعوا العائلة من البحث في أنقاض المبنى بعد يوم من قصفه.

وعادت المخاوف من جديد لدى الصحافيين، مع استمرار إخفاء الحوثيين للصحافي جلال الشرعبي. إذ يتخوّف زملاؤه وعائلته من تكرار سيناريو ما حدث لقابل والعيزري، واتخاذه كدرع بشري. وقالت الصحافية سامية الأغبري "هل هناك جريمة لم يرتكبها الحوثيون؟ من أصغر انتهاك حتى الإبادة الجماعية واستخدام الأبرياء دروعاً بشرية، قتلوا عبدالله قابل ويوسف العيزري ولا يعرف بعد مصير جلال الشرعبي".


محاسبة أممية

وكان الاتحاد الدولي للصحافيين قد طلب من الأمم المتحدة فتح تحقيق في عملية قتل الصحافيين قابل والعيزري، ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة. وقال رئيس الاتحاد الدولي جيم بوملحة، في بيان له: "نحن مصدومون من هذا الاستهتار المخزي بحياة الزملاء اليمنيين الذين تم تعريض حياتهم للخطر بشكل متعمد، مما أدى إلى مقتلهم".

ودان بو ملحة بشدة استخدام الصحافيين كأدوات سياسية وورقة مساومة في أي حرب أو
صراع، مؤكداً على أن عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية الصحافيين والمدنيين أثناء الصراع، هي جرائم حرب بموجب القانون الدولي. واعتبرت نقابة الصحافيين اليمنيين ما حدث لهما "جريمة وعملاً إرهابياً ضد الصحافيين"، وقالت إنه يؤسفها أن تعلن أن الحريات الصحفية باتت تحت رحمة المسلحين ودعاة الموت والحروب".

وتعرض مصورون في تعز (جنوب غرب البلاد)، إلى إصابات معظمها برصاص قناصة. وفي السابع من مايو/ أيار الفائت، أصيب المصوران بسام السياني وأبو بكر اليوسفي في شارع الأربعين غربي المحافظة، برصاص قناص حوثي.

والأحد الماضي، أصيب مصور تلفزيون "الجزيرة مباشر" في تعز نائف الوافي بشظية أثناء تغطيته للمواجهات الدائرة في المحافظة.

إقرأ أيضاً: الصحافيون اليمنيون بين المنفى أو الموت


اختطاف وتحريض مستمر

لم يتوقف نشاط الاختطاف الذي داوم الحوثيون عليه، إذ لم يكن آخرها، اختطاف الصحافي علي صالح سنحان، المدير العام لمكتب وكالة الأنباء الحكومية "سبأ" في محافظة حجة (شمال اليمن). واختطف سنحان على مدخل المحافظة، أثناء نزوحه مع عائلته إلى قريته هرباً من الأوضاع المضطربة، وأخذه الحوثيون عنوة أمام أبنائه وزوجته، وتركوهم على قارعة الطريق.

وأعربت نقابة الصحافيين عن قلقها لوضع الصحافي سنحان وحمّلت الحوثيين مسؤولية ما يتعرض له من اخطار، وقالت إن مليشيا الحوثيين أودعته في سجن الامن السياسي في المحافظة، "وهو أحد الاماكن التي تردد مرراً استهدافه من قبل طائرات التحالف".

وناشدت النقابة المنظمات الحقوقية المحلية والدولية للتدخل والضغط على الجهات المعنية، لتوفر ظروف اعتقال آمنة للصحافيين وإطلاق سراحهم، وعدم تكرار جريمة استخدام الصحافيين كدروع بشرية كما حدث مع الصحافيين عبدالله قابل ويوسف العيزري.

إقرأ أيضاً: الحوثيون ينتقمون من الصحافيين

تحريض مستمرّ

وإلى جانب الاختطاف، يمارس الحوثيون إرهاباً وتحريضاً بحق الصحافيين، عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام الحكومية التي سيطروا عليها، واعتبار من يخالفهم "عميلاً" وفي أحيان "مناصراً للدواعش".

وخصص أحد أنصار الحوثيين، وهو مكلّف بإدارة إذاعة الحديدة (حكومية) ويدعى نبيل
الحداء، حلقة خاصة له للتحريض ضد الصحافيين والمعارضين للجماعة في المحافظة (غرب البلاد).

وقال بسيم الجناني، وهو صحافي من المحافظة، إنه تعرض للتهديد بالتصفية الجسدية من قبل "الحداء"، خلال برنامجه عبر أثير الإذاعة الحكومية. وينسحب التهديد أيضاً على مؤيدي الحوثيين على مواقع التواصل الذين يوزّعون الشتائم وتهدديات بالقتل يميناً ويساراً على صحافيين معارضين لـ"أنصار الله" أو حتى ناشطين معارضين، يعملون على كشف الجرائم التي يرتكبها الحوثيون بشكل يوميّ في مختلف المحافظات. إلى جانب كشفهم لتشويه الإعلام التابع للحوثيين للحقائق والتستّر على الجرائم البشعة التي ترتكب.

وفي ظل الأوضاع الأمنية المضطربة المتزامنة مع الضربات الجوي، لا يبدو أي طرف محلي أو دولي قادراً على حماية الصحافيين اليمنيين، أو حماية الناشطين الذين يعبرون عن رأيهم على مواقع التواصل.

الهجرة هي الحلّ

بينما يتمسّك قسم كبير من الصحافيين ببقائهم في اليمن، وعدم مغادرة البلاد رغم المخاطر التي تحيط بهم، ورغم المصير الأسود الذي قد ينتظرهم في أي لحظة، هناك قسم من الصحافيين فضّل مغادرة البلاد والتوجّه إلى دول مجاورة. وبين هؤلاء من قرّر التخلّي نهائياً عن العمل الصحافي والبحث عن فرص عمل أخرى في الخارج، إما في التجارة أو في التدريس. أما قسم آخر فقرّر النزوح مع مؤسسته الإعلامية، وخصوصاً ان اغلب المؤسسات المعارضة للحوثيين تبثّ حالياً من السعودية. وحتى في المملكة فإن بعض الصحافيين لا يزالون خائفين من المجاهرة بهوياتهم، بسبب كمية التهديدات التي تعرّضوا لها أثناء تواجدهم في اليمن من قبل الحوثيين.

يحصل ذلك بينما يقف المجتمع الدولي، ومعه المنظمات المحلية موقف المتفرّج، وفي الحدّ الأقصى موقف مصدر البيانات المستنكرة والشاجبة لهذه "الإبادة الجماعية للحريات، وللعمل الصحافي في اليمن".

إقرأ أيضاً: صحافيون يمنيّون يدوّنون لحظات الرعب
المساهمون