يشعر أحدهم بمرونة كبيرة عند الإقبال على تعلّم لغة أجنبية، أما الآخر فإنه يواجه صعوبات بشكل كبير. لماذا تختلف درجة المرونة في تعلم اللّغة الأجنبية من شخص لآخر؟
نارلي جوليساني Narly Golestani مديرة مختبر اللغات في مركز علم الأعصاب في جامعة جينيف تقول:"من حيث المبدأ، يمرّ على البعض فترات معينة تسمّى بالفترات الحسّاسة، يتمكّن البعض خلالها، من تعلم اللغة الأجنبية بصورة سَلسَة دون مواجهة أي صعوبات".
وهذه المرحلة غالبًا ما تكون في مرحلة الطفولة المبكّرة. لكن يمكن أيضًا تعلّم اللغات في مراحل أخرى من الحياة، وهنا يمكن القول إن أمر تعلّم اللغة في مرحلة غير مرحلة الطفولة يرتبط بالحظ.
اختلافات لا يمكن تفسيرها
فبالنسبة للطيور المغرّدة، هناك فترات حرجة تمرّ بها الطيور خلال حياتها، خلالها تتعلّم أنواع الغناء والتغريد. وإذا لم تتعرّض لسماع هذه التغاريد والألحان، فإنها لن تستطيع تعلم التغريد أبدًا.
أما بالنسبة للبشر، فلا يبدو الأمر مغايرًا أو مختلفًا عن الطيور، حيث تتفاوت رغبة الدماغ في التعلم. وتسمّى هذه القابلية والمرونة التعليمية. وتحت ظروف معينة يمكن لهذه القابلية أن تستمرّ لفترات أطول. على سبيل المثال: إن تحفيز الدماغ من خلال محتوى تعليمي جديد، يؤدّي إلى نمو الرغبة في تعلّم ذلك المحتوى. حيث إن التَغير الجزئي لآلية عمل الدماغ التي تساهم في بقائه مرنًا لفترات أطول هي المواظبة على الدراسة بشكلٍ مستمر وثابت.
وهناك جوانب أخرى عديدة في تعلّم اللغات الأجنبية. فالبعض يشعر بالسهولة أكثر من غيرهم عند النطق، أما الآخرون فيملكون المهارة في إتقان قواعد اللغة "النحو".
أما الأكثر أهمية بالنسبة للنطق الصحيح، فهو القدرة على سماع وتمييز الأصوات بدقّة عالية، وهنا تكون مرحلة الطفولة هي المرحلة المثلى لذلك، لأن الأطفال يستطيعون سماع وتمييز الأصوات في مختلف اللغات بصورة أفضل بكثير من البالغين.
لذلك عندما يتعرّض الأطفال للغة الأجنبية يستطيعون إتقانها بشكل جيّد وكأنها اللغة الأم بالنسبة لهم. أما بالنسبة للبالغين، فهناك اختلافات لا يمكن تفسيرها في القدرة على سماع وتمييز الأصوات.
لماذا يتعلّم البعض أفضل من غيرهم؟
إن السبب وراء ذلك هو وجود اختلاف في مناطق الدماغ المتخصّصة، حتى مع الذين يتحدّثون العديد من اللغات، فمن يستطيع تعلّم الأصوات بشكل جيّد يمتلك قشرة سمعية يسرى أكبر. ولا أحد يعرف كيف ومتى تشكّلت تلك القشرة، ربّما تكون وراثيًا، أو نتيجة لتجربة سابقة من تعلّم لغة أجنبية أثناء حياة الشخص.
حيث إن مناطق الدماغ المتخّصصة في دلالات الألفاظ تملك مرونة البقاء لأوقات أطول. كذلك الأمر بالنسبة لتعلّم قواعد اللغة، فهناك حقبة زمنية تستطيع خلالها تعلّمها وفهمها وإتقانها بسهولة. وتكون هذه الفترة أيضًا في مرحلة الطفولة. لذلك يبدأ الأطفال بتعلّم اللغات الأجنبية في أوقات مبكّرة. ليتعدّى ذلك إلى ابتكار أساليب جديدة ممزوجة بالألعاب والترفيه لتسهيل تعلّم اللغات الأجنبية في رياض الأطفال.
في النهاية، يوجد طرق وأساليب مختلفة تساعد في تعلّم اللغة. فالبعض يفضّلون التعليم الضمني، على سبيل المثال من خلال متابعة الأفلام أو الإقامة في بلد اللغة. والبعض الآخر يتّخذون من الطريقة التقليدية وسيلة لهم في التعلم. فهم يعتمدون على المجهود الشخصي، فيبذلون الكثير من الجهد والدراسة من أجل تحقيق ذلك الهدف. وهذه الطرق تعتمد بشكل أساسي على نوع الذاكرة التي يمتلكها الشخص.
التعلّم الضمني يستغرق وقتًا أطول، ولكنه يبقى راسخًا لفترات أطول في الذاكرة. أما الطريقة التقليدية، فيمكنها تحقيق نتائج في وقت أسرع، لكن في المقابل تبقي عُرضةً للنسيان مرّات عديدة.
على أيّ حال، فإن أفضل طريقة لتعلم لغة أجنبية هي الإقامة في محيط من الناس هم أهل اللغة، حيث يمكن تعلّم واستخدام مصطلحات اللغة يوميًا وبشكلٍ مستمر.